http://saaid.net/tarbiah/index.htm
ورد الثناء في الكتاب والسنة على الصحابة من أهل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – ذكورا وإناثا ، وأوضح الله بأن أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – في مرتبة علية ومنزلة رفيعة قال تعالى { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }
- ففي هذه الآية فضيلة عظيمة ومنقبة رفيعة لجميع أزواجه عليه الصلاة والسلام .
- وأوجب الله لهن حكم الأمومة على كل مؤمن ما لهن من شرف صحبة النبي – صلى الله عليه وسلم - .
- قال القرطبي – رحمه الله - :" شرّف الله أزواج نبيه – صلى الله عليه وسلم – بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي : وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال ، وحجبهن – رضي الله عنهن – بخلاف الأمهات " ( التفسير 14/123 ) .
- قال ابن كثير – رحمه الله - :" وقوله وأزواجه أمهاتهم أي في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام ولكن لا تجوز الخلوة بهن ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع " ( التفسير 5/425) .
- والذي دفعني للكلام عن أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن أجمعين – ما يلي :
- أولا ً : امتثالا لقول النبي ووصية النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في صحيح مسلم :" وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله. واستمسكوا به" فحث على كتاب الله ورغب فيه. ثم قال "وأهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي". فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد! أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: وهم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم " .
- ونساء النبي من آل بيته قال تعالى ] إنما يريد ليذهب عنكم [ .
- لذلك أقر المجلسي بأن السياق هو في شأن أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال في بحار الأنوار 35/24 :" فلعل آية التطهير أيضا وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية وقد ظهر من الأخبار عدم ارتباطهن بقصتهن فالاعتماد في هذا على النظم والترتيب ظاهر البطلان ولو سلم عدم التغيير في الترتيب فنقول سيأتي أخبار مستفيضة بأنه سقط في القرآن آيات كثيرة فلعله سقط مما قبل الآية وما بعدها آيات لو ثبتت لم يفت الربط الظاهري " .
- والأهل في اللغة تطلق على الزوجة قال تعالى { وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً } وبإجماع المفسرين أنه كان مع موسى زوجته .
- وقالت هاجر زوج إبراهيم { قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد }
- وقال النبي - :" أيها الناس من يعذرني في رجل قد بلغ أذاه في أهلي " .
- وكذلك جاء عن عائشة - رضي الله عنها أنها قالت :" ما شبع آل رسول الله e - من خبز بر " أخرجه الإمامان البخاري ومسلم وقول عائشة ما شبع آل رسول الله . تريد نفسها وأزواج النبي - .
- والسبب الثاني : قوله – صلى الله عليه وسلم - :" المرء مع من أحب " مسلم .
- والسبب الثالث :" كما قال الصديق - رضي الله عنه – ارقبوا محمداً في أهل بيته " رواه البخاري ، ولقول الصديق :" والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحب إلي من أن اصل قرابتي " البخاري .
- ومن مناقبهن :
- أنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة إيثاراً منهن لذلك على الدنيا وزينتها فأعد الله لهن على ذلك ثواباً جزيلاً وأجراً عظيما قال تعالى{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً }
- ففي البخاري بإسناده إلى عائشة – رضي الله عنها – قالت :" لما أُمر رسول الله بتخيير أزواجه بدأ بي فقال :" إني ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك. قالت: قد أعلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك، ثم قال: " إن الله قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } قلت: أفي هذا أستأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ثم خير نساءه، فقلن مثل ما قالت عائشة " ( البخاري 2336) .
- ومن مناقبهن العامة :
- أن الله تعالى أخبر عباده أن ثوابهن على الطاعة والعمل الصالح ضعف أجر غيرهن ، قال تعالى { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } .
- ففي هذه الآية أن التي تطيع الله ورسوله منهن وتعمل صالحاً فإن الله يعطيها ضعف ثواب غيرها من سائر نساء المسلمين ، وأعد الله لها في الآخرة عيشاً هنيئاً في الجنان .
- قال الحافظ ابن كثير :" { نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } أي : في الجنة فإنهن في منازل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أعاى عليين فوق منازل جميع الخلائق في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش " .
- ومن مناقبهن :
- ومن المناقب التي شرفهن بها رب العالمين وأخبر بها عباده في كتابه العزيز أنهن لسن كأحد من النساء في الفضل والشرف وعلو المنزلة قال تعالى { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }
- فقد بين المولى جل وعلا في هذه الآية أنه لا يلحقهن من نساء الناس في الشرف والفضل ، كما بين أن هذا الفضل إنما يتم لهن بشرط التتقوى لما منحهن الله من صحبة الرسول وعظيم المحل منه ونزول القرآن في حقهن
- ومن مناقبهن :
- أن الله أخبر أنه طهرهن من الرجس تطهيراً قال تعالى { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }
- والسؤال الذي يطرح نفسه هل قولنا أن أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم - مجاملة من الله ؟ هل هذه محاباة من الله لرسوله ؟
- هل هن اللاتي فرضن هذه الأمومة على المؤمنين بسبب قربهن من رسول الله ؟
- والحق : أنهن لم يتطلعن يوما من الأيام للحصول على هذه الميزات بسبب ارتباطهن بالرسول الكريم بصلة الزواج .
- ولكن الله وحده هو الذي من عليهن بهذا الفضل وفرض هذه الأمومة وقررها على جميع المؤمنين قال تعالى { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } .
- وفي هذه الآية يتقرر شيئين :
- الأول : أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ولا يكمل إيمان العبد حتى يكون الرسول – صلى الله عليه وسلم – أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه .
- الثاني : أن زوجات النبي – رضي الله عنهن – هن أمهات للمؤمنين .
- فهذه الأمومة التي يقررها القرآن لزوجات النبي – صلى الله عليه وسلم – ويعممها على جميع المؤمنين ، تفرض على من شرفوا بهذه الأمومة واجبات والتزامات يجب أن تؤدى .
- ولكن قبل الخوض في بيان هذه الحقوق فإننا يجب أن نؤكد بأن هذا الفضل وذلك التكريم لهن – رضي الله عنهن – لم يكن ليستقر تاجاً فوق رؤسهن إلا بعد أن نجحن فيما اختبرن به من أوامر .
- وسنتكلم عن بعض الاختبارات ليتبين لنا بوضوح وجلاء أنهن – رضي الله عنهن – كن جديرات بهذا التكريم وأهلا لهذا الفضل .
- فأول هذه الاختبارات ما جاء في قوله تعالى { يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيماً }
- وهذا الاختبار الصعب شكين إليه خشونة العيش وقلة حظهن من متاع الدنيا فماذا حدث ؟
- في البخاري (5107) :" عن عائشة رضي الله عنها قالت:
ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم، منذ قدم المدينة، من طعام البُرِّ ثلاث ليال تباعاً، حتى قبض " .
- وفي البخاري عن أمنا عائشة – رضي الله عنها – قالت :" كان فراش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أَدَمٍ وحشوُه من ليف " .
- وفي البخاري قال قتادة كنا نأتي أنس بن مالك – رضي الله عنه - :" وخبّازه قائم فقال : كلوا فما أعلم النبي – صلى الله عليه وسلم – رأى رغيفا مرقّقاً حتى لحق بالله " .
- وفي البخاري عن عائشة – رضي الله عنها قالت لابن أختها عروة بن الزبير :" إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة وما أوقدت في أبيات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ناراً فقلت : ما كان عيشكم قالت : الأسودان التمر والماء " .
- لذلك لما دخلت حفصة – رضي الله عنها – على عمر عندما كان خليفة للمؤمنين ، فتراه في شدة العيش والزهد في الملبس والمطعم فتقول له :" إن الله أكثر من الخير ، وأوسع عليك من الرزق ، فلو أكلت طعاماً أطيب من ذلك ، ولبست ثياباً ألين من ثوبك ؟ قال : سأخصمك إلى نفسك ، فذكر أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما كان يلقى من شدة العيش ، فلم يزل يذكرها ما كان فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما كان يلقى من شدة العيش ، فلم يزل يذكرها ما كان فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكانت معه حتى أبكاها " ( خبر صحيح أخرجه ابن المبارك في الزهد 201 ) .
- اعتزلهن النبي – صلى الله عليه وسلم – شهرا كاملا حتى تهامس المسلمون أنه طلق أزواجه ثم جاء الاختبار الصعب من الله عز وجل بين العيش مع رسول الله على هذه الحال وبين تطليقهن وتسريحهن .
- فما كان منهن – رضي الله عنهن – إلا أن اخترن العيش مع النبي – صلى الله عليه وسلم – مع خشونة العيش وقلة حظهن من متاع الدنيا ابتغاء ما عند الله وحب لله ولرسوله .
- ثم جاء الاختبار الثاني :
- وليس بأقل مما سبق ، وهو أنه إذا ارتكبت إحداهن ذنبا أو إثما فإن عقابها مضاعف ، وإن آمنّ واتقين الله ورسوله وخشعن لله تعالى وخضعن لرسوله فإن الله يؤتيهن أجرهن مضاعفاً .
- قال تعالى { يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما } .
- فما كان منهن إلا التسليم والإقرار بذلك .
- ويأتي الاختبار الثالث :
- وفيه يبين الله لهن ، أنهن لسن كغيرهن من النساء ، ومن ثم فإن علاقتهن بالناس يجب أن يسودها الطهر والعفة ، وأن يتكلمن بكلام واضح معروف وليقصدن المعنى قصدا ، حتى لا يطمع فيهن من في قلبه مرض أو ضعيف الإيمان .
- قال تعالى { يا نساء النبي لستن كأحد منم النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا } .
- إنها تبعات ثقال ومسئوليات عظام يفرضها عليهن وجودهن في ذلك البيت النبوي الطاهر ، حتى يصبحن على مستوى ذلك البيت الطاهر ، بيت النبوة
- وبين الله سبحانه وتعالى الهدف من وراء هذه القيود التي فرضها عليهن { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } .
- إنه الطهر الكامل والعفة المطلقة والنقاء الذي لا بعده نقاء وإنها الخصال الحميدة التي لا تليق إلا بهذا البيت الكريم المبارك ، بيت النبوة ينهلن منه الطهر والعفة .
- ولكن ما يحز في النفس ويملأها حزنا ويعصر القلب أسى أن بعض المسلمين في هذا الزمان لا يعرفون من هن زوجات النبي – صلوات ربي وسلامه عليه – اللاتي فزن بهذا الشرف العظيم ، وأصبحن أمهاتا للمؤمنين
- فما أحرانا في عصر الفتن والعقوق عصر اشرأبت فيه أعناق المبتدعة ، أن نتعرف على سيرتهن وبعض خصائلهن ،خاصة وأنهن تربين في بيت النبوة ، وتخرجن من مدرستها ، وكن أشد التصاقا بقدوتنا وحبيبنا محمد – صلى الله عليه وسلم - .
- فهؤلاء السيدات عشن في بيت النبوة ، ينزعن جميعا لإلى حواء ، وقد جئن إلى بيت تلاقت في البشرية بالنبوة واتصلت الأرض بالسماء ، وتزوجن من بشر يتلقى الوحي من السماء ، ويبلغ رسالة ربه فلله در هذا البيت وبأبي وأمي ساكنيه .
- التعريف بهن :
- أولاً : خديجة بنت خويلد :
- هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد تجتمع مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في قصي ، وهي أقرب نسائه إليه في النسب ولم يتزوج من ذرية قصي غيرها إلا أم حبيبة .
- ولم يتزوج النبي امرأة قبلها ، وكل أولاده عليه الصلاة والسلام منها إلا إبراهيم – رضي الله عنه – فإنه من مارية – رضي الله عنها - .
- كانت وفاتها – رضي الله عنها – قبل الهجرة بثلاث سنين .
- روى الإمام البخاري بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - :" أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: (ما أنا بقارىء). قال:
(فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم}). فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: (زملوني زملوني). فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: (لقد خشيت على نفسي). فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق "
- فهذا الحديث تضمن ذكر منقبة ظاهرة لأم المؤمنين خديجة – رضي الله عنها – وهي أنها كانت تقوي قلب النبي – صلى الله عليه وسلم – في بداية نزول الوحي وطمأنته عليه الصلاة والسلام مما كان يخشاه على نفسه وهونت عليه الأمر وأنه لاخوف عليه ولا حزن وأقسمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – على أن الله لا يخزيه ولا يخذله واستدلت على ما أقسمت عليه بما فيه من صفاته الطيبة من مكارم الأخلاق .
- ومن مناقبها – رضي الله عنها وأرضاها – التي انفردت بها دون سائر أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه عليه الصلاة والسلام لم يتزوج عليها حتى فارقت الحياة فقد روى مسلم عن عائشة – رضي الله عنها قالت :" لم يتزوج النبي – صلى الله عليه وسلم – على خديجة حتى ماتت " .
- ومن مناقبها العظيمة قوله – صلى الله عليه وسلم – كما في البخاري (3249) :" خير نسائها – أي في وقتها – مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة " .
- من مناقبها العظيمة التي دلت على شرفها وجلالة قدرها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يكثر من ذكرها بعد موتها بالثناء والمدح عن عائشة قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء قالت فغرت يوما فقلت ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عز وجل بها خيرا منها قال:
-ما أبدلني الله عز وجل خيرا منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء " .
- قال ابن العربي :" كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد انتفع بخديجة برأيها ومالها ونصرها فرعاها حية وميتة برها موجودة ومعدومة وأتى بعد موتها ما يعلم أنه يسرها لو كان في حياتها ومن هذا المعنى ما روى من أن من البر أن يصل الرجل ود أبيه " ( عارضة الأحوذي 14/252) .
- ومما حظيت به – رضي الله عنها – كان يرتاح لسماع صوت من يشبه صوته صوتها لما وضع الله لها في قلبه من المحبة – رضي الله عنها – فعن أم المؤمنين قالت :" استأذنت هالة بنت خويلد – أخت خديجة – على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك فقال :" اللهم هالة " قالت : فغرت فقلت : ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر أبدلك الله خيراً منها " .( الصحيحين ) .
- ومن مناقبها أن الباري جل وعلا أرسل لها السلام مع جبريل وأمر نبيه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب الؤلؤ المجوف المنظوم بالدر والياقوت فقد روى البخاري في صحيحه :" أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب " .
- وفي هذا الحديث ذكر منقبتين عظيمتين لأم المؤمنين خديجة – رضي الله عنها – وأرضاها إرسال الرب – جل وعلا – سلامه عليها مع جبريل وهذا خاص لها لا يعرف لامرأة سواها .
- المفاضلة بين خديجة وعائشة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :" جهات جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة وكأنه رأى التوقف " ( ذكر عنه الحافظ ابن حجر في لبفتح 7/109) .
- قال ابن القيم :" واختلف في تفضيلها على عائشة – رضي الله عنها – على ثلاثة أقوال ثالثهما الوقف : وسألت شيخنا ابن تيمية فقال : اختصت كل واحدة منهما بخاصة ، فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام ، وكانت تسلي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتثبته وتسكنه ، وتبذل دونه مالها ، فأدركت غرة الإسلام واحتملت الأذى في الله وفي رسوله ، وكان نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها ، وعائشة – رضي الله عنها – تأثيرها في آخر الإسلام ، فلها من التفقه في الدين وتبليغه إلى الأمة ، وانتفاع بنيها بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها " ( جلاء الأفهام ص 124 – بدائع الفوائد 3/162-163 )
- المفاضلة بين عائشة وفاطمة :
- وقال العلامة ابن القيم – رحمه الله - :" الخلاف في كون عائشة أفضل من فاطمة أو فاطمة أفضل إذا حرر محل التفضيل صار وفاقاً ، فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله – عز وجل – فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح ، وكم من عاملين أحدهما أكثر عملا بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة ، وإن أريد بالتفضيل بالعلم فلا ريب أن عائشة أعلم ,أنفع للأمة وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها ، وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب فلا ريب أن فاطمة أفضل فإنها بضعة من النبي – صلى الله عليه وسلم – وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير أخواتها ، وإن أريد السيادة ففاطمة سيدة نساء الأمة وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل ، وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل ، ولم يوازن بينهما فيبخس الحق وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصب وهوى لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم " ( بدائع الفوائد 3/161-162 – فتح الباري 7/109 ) .
- ثانيا ً : سودة بنت زمعة – رضي الله عنها - :
- قال الذهبي :" هي أول من تزوج بها النبي – صلى الله عليه وسلم – بها النبي بعد خديجة ، وانفردت به نحواً من ثلاث سنين أو أكثر حتى دخل بعائشة ، وكانت سيدة جليلة نبيلة ... وهي التي وهبت يومها لعائشة رعاية لقلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " ( سير أعلام النبلاء 2/266-267) .
- ومن حرصها على ابقاء في عصمة النبي – صلى الله عليه وسلم – أنها آثرت يومها لعائشة إيثاراً منها لرضاه عليه الصلاة والسلام وحباً في المقام معه لتكون من أزواجه في الدنيا والاخرة ، فكان النبي يقسم لنسائه ولا يقسم لها وهي راضية بذلك مؤثرة رضى رسول الله – رضي الله عنها - .
- ثالثاً : عائشة – رضي الله عنها وأرضاها - :
- هي عائشة بنت أبي بكر الصديق وأمها أم رومان بنت عامر الكنانية .
- كانت أحب أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – إليه وهي المبرأة من فوق سبع سماوات الصديقة بنت الصديق .
- لم يتزوج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بكراً غيرها ولم ينزل الوحي عليه في لحاف امرأة سواها ، وبسببها شرع التيمم ونزل القرآن ببراءتها وطهرها عندما رميت بالإفك آيات تتلى حتى قيام الساعة .
- وكانت أعلم نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – بل هي أعلم النساء على الإطلاق .
- كان الأكابر من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – يرجعون إلى قولها ويستفتونها .
- كانت وفاتها سنة ثمان وخمسين وصلى عليها أبو هريرة – رضي الله عنهم أجمعين - .
- من مناقبها :
- ما رواه البخاري أن عمرو بن العاص سأل النبي – صلى الله عليه وسلم - :" أي الناس أحب إليك قال عائشة قلت : من الرجال قال: أبوها " .
- وهذا الحديث فيه منقبة عظيمة لأم المؤمنين عائشة وهي أنها أحب الناس إلى قلبه ، قال الحافظ الذهبي :" وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض وما كان عليه الصلاة والسلام ليحب إلا طيبا ... فأحب أفضل رجل من أمته وأفضل امرأة من أمته ، فمن أبغض حبيبي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهو حري أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله ، وحبه عليه السلام لعائشة كان أمراً مستفيضاً " ( سير أعلام النبلاء 2/142 ) .
- ومن مناقبها :
- أن جبريل أرسل إليها سلامه مع النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فقد روى البخاري عن عائشة قالت :" قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوما يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام ، فقلت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ترى ما لا أرى – تريد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " .
- ومن مناقبها : ما رواه الشيخان عن ابي موسى الأشعري قال :" كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثؤيد على سائر الطعام " .
- من مناقبها عدم قبول النبي – صلى الله عليه وسلم – الشكوى في حقها :
- في البخاري :" كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقلن: يا أم سلمة، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس: أن يهدوا إليه حيثما كان، أو حيثما دار، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأعرض عني، فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها " .
- أخرج مسلم في صحيحه :" أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي. فأذن لها. فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. وأنا ساكتة. قالت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "أي بنية! ألست تحبين ما أحب؟" فقالت: بلى. قال "فأحبي هذه" قالت، فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بالذي قالت. وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء. فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: والله! لا أكلمه فيها أبدا. قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب. وأتقى لله. وأصدق حديثا. وأوصل للرحم. وأعظم صدقة. وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله تعالى. ما عدا سورة من حد كانت فيها. تسرع منها الفيئة. قالت، فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها. على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها. فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت ثم وقعت بي. فاستطالت علي. وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها. قالت فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر. قالت فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها. قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم "إنها ابنة أبي بكر " .
- والعدل الذي كن يسألن عنه هو التسوية بينهن في المحبة القلبية ، فقد كان – ومن خصائصها ومناقبها التي دلت على عظيم شأنها ورفعة مكانتها شهادة الباري جل وعلا لها بالبراءة مما رميت به من الإفك وبرأها مما رماها به أهل الإفك في عذرها وبراءتها وطهرها .
- قال ابن القيم :" أنزل في عذرها وبراءتها وحياً يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة وشهد لها بأنها من الطيبات ووعدها المغفرة والرزق الكريم ، وأخبر سبحانه أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرا لها ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شراً لها ولا خافضاً من شأنها بل رفعها الله بذلك وأعلى قدرها وأعظم شأنها وصار لها ذكراً بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء فيالها منقبة ما أجلها وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشيء عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها حيث قالت :" ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى ولكن كنت أرجو أن يري الله رسول الله رؤيا يبرئني الله بها " .
- ومما كان لها تشريفا أنها كانت سببا في نزول آية التيمم ، ففي البخاري أن " عائشة – رضي الله عنها – استعارت من أسماء قلادة فهلكت فأرسل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ناساً من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي – صلى الله عليه وسلم – شكوا ذلك إليه فنزلت آية التيمم فقال أسيد بن حضير :جزاك الله خيراً فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل لك منه مخرجاً وجعل فيه للمسلمين بركة "
- ومن فضائلها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما لحق بالرفيق الأعلى كان في بيتها وبين سحرها ونحرها وكان مسنداً ظهره إلى صدرها وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعاته في الدنيا وأول ساعة من الآخرة ودفن في بيتها .
- فقد روى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت :" أن رسول الله لما كان في مرضه جعل يدور بين نسائه ويقول :" أين أنا غداً ؟ " - حرصاً على بيت عائشة واستبطاء ليوم عائشة – فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري " .
- رابعاً : حفصة بنت عمر – رضي الله عنهما - :
- ولدت – رضي الله عنها – قبل المبعث بخمس سنين وتوفيت سنة خمس وأربعين .
- البخاري 3783 :" أن عمر بن الخطاب، حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرا، توفي بالمدينة، قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبث ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها " .
- قال الذهبي – رحمه الله - :" وروي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – تطليقه ثم راجعها بأمر جبريل عليه السلام له بذلك وقال :" إنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة " ( سير أعلام النبلاء 2/228) .
- وفي ما ذكرناه دلالة على أنها كانت على قدر كبير وجانب عظيم من رفعة مكانتها وجلالة قدرها – رضي الله عنها وأرضاها - .
- خامساً : زينب بنت خزيمة – رضي الله عنها - :
- يقال لها أم المساكين لكثرة إطعامها المساكين وهي من بني عامر بن صعصعة وتوفيت ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – حي .
- فيكفيها شرفاً وفخراً أنها احدى أمهات المؤمنين اللاتي ضرب عليهن الحجاب والللاتي هن أزواج نبيه في الدنيا والآخرة .
- كانت وفاتها سنة أربع للهجرة – رضي الله عنها وأرضاها - .
- سادساً : أم سلمة – رضي الله عنها - :
- اسمها هند بنت أبي أميمة القرشية المخزومية .
- روى الإمام مسلم في صحيحه عن أم سلمة قالت :" سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول :" ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها " قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، أرسل لي رسول – صلى الله عليه وسلم – حاطب بن أبي بلتعة يخطبني لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – " .
- من مناقبها أنها تشرفت برؤية جبريل حيث رأته عليه السلام في صورة دحية الكلبي ، فقد روى الشيخان في صحيحيهما عن أبي عثمان قال :" أنبئت أن جبريل أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – وعنده أم سلمة فجعل يتحدث فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –لأم سلمة من هذا ؟ أو كما قال قالت هذا دحية فلما قام قالت والله ما حسبته إلا إياه حتى خطبه النبي – صلى الله عليه وسلم – يخبر خبر جبريل "
- قال الإمام النووي :" وفيه منقبة لأم سلمة – رضي الله عنها – وفيه جواز رؤية البشر الملائكة " .
- قال العلامة ابن القيم :" ومن خصائصها : أن جبريل دخل على النبي – صلى الله عليه وسلم – وهي عنده فرأته في صورة دحية الكلبي " .( جلاء الأفهام ص 136 ) .
- أكرمها الله بالصواب والسداد فيما تشير به ومن ذلك لما أشارت به على النبي – صلى الله عليه وسلم – عام الحديبية حينما أمر الصحابة أن يحلقوا رؤوسهم وينحروا هديهم فتثاقلوا ذلك طمعاً منهم في أن يدخلوا مكة ويطوفوا بالبيت .
- فقد روى البخاري في صحيحه :" فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (قوموا فانحروا ثم احلقوا). قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يانبي الله، أتحب ذلك، اخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيلحقك. فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل غما" .
- فهذه الأدلة فيها أنها كانت عظيمة القدر والمكانة وهي آخر أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – موتاً وقيل ميمونة .
- سابعاً :زينب بنت جحش – رضي الله عنها - :
- هي زينب بنت جحش كانت من سادة النساء دينا وورعاً وجوداً ومعروفاً رضي الله عنها وكانت وفاتها سنة عشرين .
- من مناقبها أنها كانت تقول :" زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات " . ( البخاري ) .
- وذلك لقول الله تعالى { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً }
- قال الإمام الذهبي :" فزوجها الله تعالى بنبيه بنص كتابه بلا ولي ولا شاهد فكانت تفخر بذلك على أمهات المؤمنين وتقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق عرشه " ( سير أعلام النبلاء 2/211 ) .
- في الصحيحين أن نساءه سألنه :" أينا أسرع بك لحوقا؟ قال: (أطولكن يدا). فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة أطولهن يدا، فعلمنا بعد: أنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقا به، وكانت تحب الصدقة " .
- لأن زينب كانت قصيرة فعلمن أن المقصود بطول اليد الصدقة وكانت – رضي الله عنها – كثيرة الصدقة .
- روى الإمام مسلم في صحيحه :" تقول عائشة عن زينب لم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به وتتقرب به إلى الله ما عدا سورة من حدة بها " .
- قال الإمام الذهبي :" ويروى عن عمرة عن عائشة قالت : يرحم الله زينب لقد نالت في الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف إن الله زوجها ونطق به القرآن وإن رسول الله قال لنا :" أسرعكن لحوقاً أطولكن باعاً " فبشرها بسرعة لحوقها به وهي زوجته في الجنة " ( السير 2/215 ) .
- ثامناً : جويرية بنت الحارث :
- هي جويرية بنت الحارث من بني المصطلق .
- وجاءت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وطلبت منه أن يعينها على مكاتبتها لنفسها عل ثابت بن قيس فعرض عليها النبي ما هو خير لها في العاجل والآجل وهو أن يؤدي عنها ما كاتبها لنفسها فوافقت على ذلك وأسلمت وتزوجها سيد الخلق وأطلق لها أسارى من قومها .
- توفيت – رضي الله عنها – سنة خمسين للهجرة .
- تاسعاً : أم حبيبة – رضي الله عنها - :
- هي رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها قال الذهبي – رحمه الله - :" وهي من بنات عم الرسول – صلى الله عليه وسلم – وليس في أزواجه من هي أقرب نسباً إليه منها ولا في نسائه من هي أكثر صداقاً منها ولا من تزوج بها وهي نائية الدار أبعد منها ، عُقد له – صلى الله عليه وسلم – عليها بالحبشة وأصدقها عنه صاحب الحبشة وأصدقها عنه صاحب الحبشة أربع مائة دينار وجهزها بأشياء " ( السير 2/219) .
- ومما زاد في قدرها وعلو شأنها أنها أكرمت فراش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أن يجلس عليه أبوها لما قدم المدينة لعقد الهدنة بين الرسول – صلى الله عليه وسلم – وبين قريش ومنعته من الجلوس عليه لأنه كان يومئذ على الشرك ولم يكن قد أسلم .
- كانت شديدة الخوف من الله – عز وجل – ومن العابدات الورعات فقد روى الحاكم عن عوف بن الحارث قال :" سمعت عائشة تقول دعتني أم حبيبة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم - عند موتها.
فقالت: قد كان بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله ذلك كله وتجاوز وحللتك من ذلك كله فقالت عائشة: سررتني سرّك الله وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت لها مثل ذلك وتوفيت: سنة أربع وأربعين، في إمارة معاوية -رضي الله تعالى عنهما- " .
- العاشرة : صفية بنت حيي بن أخطب :
- كانت – رضي الله عنها – ذات حسب وجمال ودين وكانت وفاتها سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية – رضي الله عنها - .
- الحادية عشر : ميمونة بنت الحارث – رضي الله عنها - :
- تسميتها باسم " ميمونة : إنما سماها بهذا الاسم المبارك هو النبي – صلى الله عليه وسلم – كما أخرجه الحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال :" كان اسم خالتي ميمونة برة فسماها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ميمونة " المستدرك 4/30 .
- حقوق أمهات المؤمنين :
- هؤلاء هن أمهات المؤمنين اللاتي يجب على كل مسلم الإقرار بفضلهن والاعتراف بعظم منزلتهن وأنهن أمهات المؤمنين كما أطلق الله ذلك عليهن وأن من طعن فيهن أو واحدة منهن كان بعيدا عن الله ورسوله وعباده المؤمنين .
- إن الإسلام الذي نؤمن به قد جعل لألأم منزلة عظيمة ، ومكانة سامية ، وحسبها شرفاً وفخراً أن يوصي الرسول – صلى الله عليه وسلم – أحد أصحابه وقد جاء يسأله :" من أحق الناس بحسن صحابتي قال : أمك قال ثم من ؟ قال : أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من ؟ قال أبوك " .
- وأمهات المؤمنين حقهن أكبر وأسمى من أمهات العصب والدم في المكانة ، وأعلى منزلة ، لذلك الأدب مع أمهات المؤمنين يكون كما يأتي :
- أولا ً : الترضي عليهن والصلاة عليهن :
- جاء الصحابة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيح أنهم قالوا :" يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صلّ على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " .
- وعندما يفعل المرء ذلك فإنه علامة على تمام دينه ومن حسن أدبه ، ألم يطلب منا النبي أن نصلي عليهن كما نصلي عليه .
- ثانياً : معرفة فضلهن ومحبتهن :
- قال أبو بكر الباقلاني :" ويجب أن يعلم أن خير الأمة أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأفضل الصحابة العشرة الخلفاء الراشدون الأربعة – رضي الله عن الجميع - ونقر بفضل أهل البيت – بيت رسول الله – وأنهن أمهات المؤمنين ، ونبدع ونفسق ونضلل من طعن فيهن أو في واحدة منهن لنصوص الكتاب والسنة في فضلهم ومدحهم والثناء عليهم فمن ذكر خلاف ذلك كان فاسقاً للكتاب والسنة نعوذ بالله من ذلك " ( الانصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ص 68 ) .
- ثالثاً : الإقتداء بهن ودراسة سيرتهن :
- ومن حسن الأدب مع أمهات المؤمنين الإقتداء بهن في كل شيء .
- فمثلا لقد ضربت أمهات المؤمنين أروع الأمثلة في طاعة الزوجة لزوجها مهما كلفتها الطاعة من مشاق .
- فهذه خديجة رضي الله عنها تتقدم على زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم – في نصرة الزوج وتصديق النبي من أول لحظة بعث فيها إلى الناس بشيراً ونذيراً ، وتقف بجانبه في أصعب اللحظات كما :" كلا أبشر. فوالله! لا يخزيك الله أبدا. والله! إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق " .
- وفي العلم الشرعي والتفقه في الدين
- وفي حسن العشرة والصبر على خشونة العيش نجد أنهن جميعا يضربن أروع الأمثلة في ذلك ، فهذه رملة بنت أبي سفيان – أم حبيبة – أم المؤمنين – رضي الله عنها – فقد كانت تحفظ من أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – ما يزيد على الألفي حديث .
- وكانت تفتي من يسألها من رجال ونساء في أدق المسائل ما يصعب على غيرها وماذاك إلا لقربها من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال هشام بن عروة عن أبيه :" ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة " .
- فعلى كل طالب للعلم أن يجعل من سيرة أم المؤمنين نبراساً له وسراجا مضيئا له ، فإنها نعم الأم ونعم المثل ونعم القدوة .
- وفي مجال الاجتهاد في العبادة والزهد وكلهن – رضي الله عنهن – مثل لذلك ، إلا أن حفصة بنت عمر – رضي الله عنها – تسبقهن في ذلك .
- فهذا جبريل – عليه السلام – ينزل من السماء فيقول للرسول – صلى الله عليه وسلم – وقد طلق النبي حفصة :" أرجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة " .
- وفي مجال التصدق على الفقراء والإحسان إليهن ، لا نستطيع أن ننكر على إحداهن – رضي الله عنهن أنها لم تتصدق على الفقراء وتحسن إليهن ، إلا أننا نجد زينب بنت جحش – رضي الله عنها – تتفوق على غيرها في هذا المجال ، وقد شهد لها الرسول بذلك .
- فقال :" أسرعكن لحاقاً بي أطولكم يدا " .
- فكانت أول من لحق بالنبي – صلى الله عليه وسلم – لأنها كانت أول من توفي من نساء النبي ولحق به ، لقد كانت سخية كريمة خيرة ، تتصدق على الفقراء والمساكين .
- وفي اجتهادهن في إرضاء النبي – صلى الله عليه وسلم – والبعد عن كل شيء قد يُظن – مجرد الظن – أنه قد يسيء إلى شخص النبي – صلى الله عليه وسلم – فهذه رملة بنت أبي سفيان ن أم حبيبة – أم المؤمنين – يأتي إليها أبوها وهو مشرك قبل فتح مكة ، ويدخل عليها بيتها ويهم بالجلوس على فراش رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
- فتخطف فراش رسول الله قبل أن يصل إليه وتعلن له صراحة بأنه لا يمكن له أن يقترب من فراش رسول الله الطاهر حتى لا ينجسه ، أو حتى لا يسيء إلى رسول الله وهو ما يزال بعد مشركا .
- عندما ظنت – مجرد الظن – أنه يسيء إلى زوجها إذا غاب عنها في نفسها وماله فهكذا يجب على كل امرأة أن تبالغ في إرضاء زوجها كما فعلت أم حبيبة – رضي الله عنها - .
- ثالثاً : من الأدب معهن الذب عنهن والوقوف في وجه من يسيء إليهن :
- كان سلفنا الصالح منذ عهد الصحابة إلى عصرنا هذا ، لا يزال الصالحون يضعون أمهات المؤمنين في مكانة عالية ولا يسمحون لأي شائن مبغض أن يطعن فيهن .
- بل يرون ذلك من أفضل القربات والجهاد في سبيل الله في الذب عنهن وتوقيرهن واحترامهن وحسن الأدب معهن .
- رابعاً : من الأدب معهن التسمي بأسمائهن :
- ينبغي على المسلمين تسمية البنات بأسماء أمهات المؤمنين .
- وأن نذكر بناتنا ونجعلهن دائما باتصال دائم وحب مستمر مع أمهات المؤمنين .
- وأن يتخلقن بأخلاقهن وعدم التشبه بالساقطات العاهرات الراقصات كما هو شأن عامة المسلمين .
ورد الثناء في الكتاب والسنة على الصحابة من أهل بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – ذكورا وإناثا ، وأوضح الله بأن أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – في مرتبة علية ومنزلة رفيعة قال تعالى { النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }
- ففي هذه الآية فضيلة عظيمة ومنقبة رفيعة لجميع أزواجه عليه الصلاة والسلام .
- وأوجب الله لهن حكم الأمومة على كل مؤمن ما لهن من شرف صحبة النبي – صلى الله عليه وسلم - .
- قال القرطبي – رحمه الله - :" شرّف الله أزواج نبيه – صلى الله عليه وسلم – بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي : وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال ، وحجبهن – رضي الله عنهن – بخلاف الأمهات " ( التفسير 14/123 ) .
- قال ابن كثير – رحمه الله - :" وقوله وأزواجه أمهاتهم أي في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام ولكن لا تجوز الخلوة بهن ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع " ( التفسير 5/425) .
- والذي دفعني للكلام عن أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن أجمعين – ما يلي :
- أولا ً : امتثالا لقول النبي ووصية النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في صحيح مسلم :" وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله. واستمسكوا به" فحث على كتاب الله ورغب فيه. ثم قال "وأهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي". فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد! أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: وهم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم " .
- ونساء النبي من آل بيته قال تعالى ] إنما يريد ليذهب عنكم [ .
- لذلك أقر المجلسي بأن السياق هو في شأن أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال في بحار الأنوار 35/24 :" فلعل آية التطهير أيضا وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية وقد ظهر من الأخبار عدم ارتباطهن بقصتهن فالاعتماد في هذا على النظم والترتيب ظاهر البطلان ولو سلم عدم التغيير في الترتيب فنقول سيأتي أخبار مستفيضة بأنه سقط في القرآن آيات كثيرة فلعله سقط مما قبل الآية وما بعدها آيات لو ثبتت لم يفت الربط الظاهري " .
- والأهل في اللغة تطلق على الزوجة قال تعالى { وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً } وبإجماع المفسرين أنه كان مع موسى زوجته .
- وقالت هاجر زوج إبراهيم { قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب * قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد }
- وقال النبي - :" أيها الناس من يعذرني في رجل قد بلغ أذاه في أهلي " .
- وكذلك جاء عن عائشة - رضي الله عنها أنها قالت :" ما شبع آل رسول الله e - من خبز بر " أخرجه الإمامان البخاري ومسلم وقول عائشة ما شبع آل رسول الله . تريد نفسها وأزواج النبي - .
- والسبب الثاني : قوله – صلى الله عليه وسلم - :" المرء مع من أحب " مسلم .
- والسبب الثالث :" كما قال الصديق - رضي الله عنه – ارقبوا محمداً في أهل بيته " رواه البخاري ، ولقول الصديق :" والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحب إلي من أن اصل قرابتي " البخاري .
- ومن مناقبهن :
- أنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة إيثاراً منهن لذلك على الدنيا وزينتها فأعد الله لهن على ذلك ثواباً جزيلاً وأجراً عظيما قال تعالى{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً }
- ففي البخاري بإسناده إلى عائشة – رضي الله عنها – قالت :" لما أُمر رسول الله بتخيير أزواجه بدأ بي فقال :" إني ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك. قالت: قد أعلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك، ثم قال: " إن الله قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } قلت: أفي هذا أستأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ثم خير نساءه، فقلن مثل ما قالت عائشة " ( البخاري 2336) .
- ومن مناقبهن العامة :
- أن الله تعالى أخبر عباده أن ثوابهن على الطاعة والعمل الصالح ضعف أجر غيرهن ، قال تعالى { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } .
- ففي هذه الآية أن التي تطيع الله ورسوله منهن وتعمل صالحاً فإن الله يعطيها ضعف ثواب غيرها من سائر نساء المسلمين ، وأعد الله لها في الآخرة عيشاً هنيئاً في الجنان .
- قال الحافظ ابن كثير :" { نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } أي : في الجنة فإنهن في منازل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في أعاى عليين فوق منازل جميع الخلائق في الوسيلة التي هي أقرب منازل الجنة إلى العرش " .
- ومن مناقبهن :
- ومن المناقب التي شرفهن بها رب العالمين وأخبر بها عباده في كتابه العزيز أنهن لسن كأحد من النساء في الفضل والشرف وعلو المنزلة قال تعالى { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }
- فقد بين المولى جل وعلا في هذه الآية أنه لا يلحقهن من نساء الناس في الشرف والفضل ، كما بين أن هذا الفضل إنما يتم لهن بشرط التتقوى لما منحهن الله من صحبة الرسول وعظيم المحل منه ونزول القرآن في حقهن
- ومن مناقبهن :
- أن الله أخبر أنه طهرهن من الرجس تطهيراً قال تعالى { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }
- والسؤال الذي يطرح نفسه هل قولنا أن أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم - مجاملة من الله ؟ هل هذه محاباة من الله لرسوله ؟
- هل هن اللاتي فرضن هذه الأمومة على المؤمنين بسبب قربهن من رسول الله ؟
- والحق : أنهن لم يتطلعن يوما من الأيام للحصول على هذه الميزات بسبب ارتباطهن بالرسول الكريم بصلة الزواج .
- ولكن الله وحده هو الذي من عليهن بهذا الفضل وفرض هذه الأمومة وقررها على جميع المؤمنين قال تعالى { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } .
- وفي هذه الآية يتقرر شيئين :
- الأول : أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ولا يكمل إيمان العبد حتى يكون الرسول – صلى الله عليه وسلم – أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه .
- الثاني : أن زوجات النبي – رضي الله عنهن – هن أمهات للمؤمنين .
- فهذه الأمومة التي يقررها القرآن لزوجات النبي – صلى الله عليه وسلم – ويعممها على جميع المؤمنين ، تفرض على من شرفوا بهذه الأمومة واجبات والتزامات يجب أن تؤدى .
- ولكن قبل الخوض في بيان هذه الحقوق فإننا يجب أن نؤكد بأن هذا الفضل وذلك التكريم لهن – رضي الله عنهن – لم يكن ليستقر تاجاً فوق رؤسهن إلا بعد أن نجحن فيما اختبرن به من أوامر .
- وسنتكلم عن بعض الاختبارات ليتبين لنا بوضوح وجلاء أنهن – رضي الله عنهن – كن جديرات بهذا التكريم وأهلا لهذا الفضل .
- فأول هذه الاختبارات ما جاء في قوله تعالى { يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيماً }
- وهذا الاختبار الصعب شكين إليه خشونة العيش وقلة حظهن من متاع الدنيا فماذا حدث ؟
- في البخاري (5107) :" عن عائشة رضي الله عنها قالت:
ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم، منذ قدم المدينة، من طعام البُرِّ ثلاث ليال تباعاً، حتى قبض " .
- وفي البخاري عن أمنا عائشة – رضي الله عنها – قالت :" كان فراش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أَدَمٍ وحشوُه من ليف " .
- وفي البخاري قال قتادة كنا نأتي أنس بن مالك – رضي الله عنه - :" وخبّازه قائم فقال : كلوا فما أعلم النبي – صلى الله عليه وسلم – رأى رغيفا مرقّقاً حتى لحق بالله " .
- وفي البخاري عن عائشة – رضي الله عنها قالت لابن أختها عروة بن الزبير :" إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة وما أوقدت في أبيات رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ناراً فقلت : ما كان عيشكم قالت : الأسودان التمر والماء " .
- لذلك لما دخلت حفصة – رضي الله عنها – على عمر عندما كان خليفة للمؤمنين ، فتراه في شدة العيش والزهد في الملبس والمطعم فتقول له :" إن الله أكثر من الخير ، وأوسع عليك من الرزق ، فلو أكلت طعاماً أطيب من ذلك ، ولبست ثياباً ألين من ثوبك ؟ قال : سأخصمك إلى نفسك ، فذكر أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما كان يلقى من شدة العيش ، فلم يزل يذكرها ما كان فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما كان يلقى من شدة العيش ، فلم يزل يذكرها ما كان فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكانت معه حتى أبكاها " ( خبر صحيح أخرجه ابن المبارك في الزهد 201 ) .
- اعتزلهن النبي – صلى الله عليه وسلم – شهرا كاملا حتى تهامس المسلمون أنه طلق أزواجه ثم جاء الاختبار الصعب من الله عز وجل بين العيش مع رسول الله على هذه الحال وبين تطليقهن وتسريحهن .
- فما كان منهن – رضي الله عنهن – إلا أن اخترن العيش مع النبي – صلى الله عليه وسلم – مع خشونة العيش وقلة حظهن من متاع الدنيا ابتغاء ما عند الله وحب لله ولرسوله .
- ثم جاء الاختبار الثاني :
- وليس بأقل مما سبق ، وهو أنه إذا ارتكبت إحداهن ذنبا أو إثما فإن عقابها مضاعف ، وإن آمنّ واتقين الله ورسوله وخشعن لله تعالى وخضعن لرسوله فإن الله يؤتيهن أجرهن مضاعفاً .
- قال تعالى { يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما } .
- فما كان منهن إلا التسليم والإقرار بذلك .
- ويأتي الاختبار الثالث :
- وفيه يبين الله لهن ، أنهن لسن كغيرهن من النساء ، ومن ثم فإن علاقتهن بالناس يجب أن يسودها الطهر والعفة ، وأن يتكلمن بكلام واضح معروف وليقصدن المعنى قصدا ، حتى لا يطمع فيهن من في قلبه مرض أو ضعيف الإيمان .
- قال تعالى { يا نساء النبي لستن كأحد منم النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا } .
- إنها تبعات ثقال ومسئوليات عظام يفرضها عليهن وجودهن في ذلك البيت النبوي الطاهر ، حتى يصبحن على مستوى ذلك البيت الطاهر ، بيت النبوة
- وبين الله سبحانه وتعالى الهدف من وراء هذه القيود التي فرضها عليهن { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } .
- إنه الطهر الكامل والعفة المطلقة والنقاء الذي لا بعده نقاء وإنها الخصال الحميدة التي لا تليق إلا بهذا البيت الكريم المبارك ، بيت النبوة ينهلن منه الطهر والعفة .
- ولكن ما يحز في النفس ويملأها حزنا ويعصر القلب أسى أن بعض المسلمين في هذا الزمان لا يعرفون من هن زوجات النبي – صلوات ربي وسلامه عليه – اللاتي فزن بهذا الشرف العظيم ، وأصبحن أمهاتا للمؤمنين
- فما أحرانا في عصر الفتن والعقوق عصر اشرأبت فيه أعناق المبتدعة ، أن نتعرف على سيرتهن وبعض خصائلهن ،خاصة وأنهن تربين في بيت النبوة ، وتخرجن من مدرستها ، وكن أشد التصاقا بقدوتنا وحبيبنا محمد – صلى الله عليه وسلم - .
- فهؤلاء السيدات عشن في بيت النبوة ، ينزعن جميعا لإلى حواء ، وقد جئن إلى بيت تلاقت في البشرية بالنبوة واتصلت الأرض بالسماء ، وتزوجن من بشر يتلقى الوحي من السماء ، ويبلغ رسالة ربه فلله در هذا البيت وبأبي وأمي ساكنيه .
- التعريف بهن :
- أولاً : خديجة بنت خويلد :
- هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد تجتمع مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في قصي ، وهي أقرب نسائه إليه في النسب ولم يتزوج من ذرية قصي غيرها إلا أم حبيبة .
- ولم يتزوج النبي امرأة قبلها ، وكل أولاده عليه الصلاة والسلام منها إلا إبراهيم – رضي الله عنه – فإنه من مارية – رضي الله عنها - .
- كانت وفاتها – رضي الله عنها – قبل الهجرة بثلاث سنين .
- روى الإمام البخاري بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - :" أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: (ما أنا بقارىء). قال:
(فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم}). فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: (زملوني زملوني). فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: (لقد خشيت على نفسي). فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق "
- فهذا الحديث تضمن ذكر منقبة ظاهرة لأم المؤمنين خديجة – رضي الله عنها – وهي أنها كانت تقوي قلب النبي – صلى الله عليه وسلم – في بداية نزول الوحي وطمأنته عليه الصلاة والسلام مما كان يخشاه على نفسه وهونت عليه الأمر وأنه لاخوف عليه ولا حزن وأقسمت للنبي – صلى الله عليه وسلم – على أن الله لا يخزيه ولا يخذله واستدلت على ما أقسمت عليه بما فيه من صفاته الطيبة من مكارم الأخلاق .
- ومن مناقبها – رضي الله عنها وأرضاها – التي انفردت بها دون سائر أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه عليه الصلاة والسلام لم يتزوج عليها حتى فارقت الحياة فقد روى مسلم عن عائشة – رضي الله عنها قالت :" لم يتزوج النبي – صلى الله عليه وسلم – على خديجة حتى ماتت " .
- ومن مناقبها العظيمة قوله – صلى الله عليه وسلم – كما في البخاري (3249) :" خير نسائها – أي في وقتها – مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة " .
- من مناقبها العظيمة التي دلت على شرفها وجلالة قدرها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يكثر من ذكرها بعد موتها بالثناء والمدح عن عائشة قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء قالت فغرت يوما فقلت ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عز وجل بها خيرا منها قال:
-ما أبدلني الله عز وجل خيرا منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء " .
- قال ابن العربي :" كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد انتفع بخديجة برأيها ومالها ونصرها فرعاها حية وميتة برها موجودة ومعدومة وأتى بعد موتها ما يعلم أنه يسرها لو كان في حياتها ومن هذا المعنى ما روى من أن من البر أن يصل الرجل ود أبيه " ( عارضة الأحوذي 14/252) .
- ومما حظيت به – رضي الله عنها – كان يرتاح لسماع صوت من يشبه صوته صوتها لما وضع الله لها في قلبه من المحبة – رضي الله عنها – فعن أم المؤمنين قالت :" استأذنت هالة بنت خويلد – أخت خديجة – على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك فقال :" اللهم هالة " قالت : فغرت فقلت : ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين هلكت في الدهر أبدلك الله خيراً منها " .( الصحيحين ) .
- ومن مناقبها أن الباري جل وعلا أرسل لها السلام مع جبريل وأمر نبيه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب الؤلؤ المجوف المنظوم بالدر والياقوت فقد روى البخاري في صحيحه :" أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب " .
- وفي هذا الحديث ذكر منقبتين عظيمتين لأم المؤمنين خديجة – رضي الله عنها – وأرضاها إرسال الرب – جل وعلا – سلامه عليها مع جبريل وهذا خاص لها لا يعرف لامرأة سواها .
- المفاضلة بين خديجة وعائشة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :" جهات جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة وكأنه رأى التوقف " ( ذكر عنه الحافظ ابن حجر في لبفتح 7/109) .
- قال ابن القيم :" واختلف في تفضيلها على عائشة – رضي الله عنها – على ثلاثة أقوال ثالثهما الوقف : وسألت شيخنا ابن تيمية فقال : اختصت كل واحدة منهما بخاصة ، فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام ، وكانت تسلي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتثبته وتسكنه ، وتبذل دونه مالها ، فأدركت غرة الإسلام واحتملت الأذى في الله وفي رسوله ، وكان نصرتها للرسول في أعظم أوقات الحاجة فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها ، وعائشة – رضي الله عنها – تأثيرها في آخر الإسلام ، فلها من التفقه في الدين وتبليغه إلى الأمة ، وانتفاع بنيها بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها " ( جلاء الأفهام ص 124 – بدائع الفوائد 3/162-163 )
- المفاضلة بين عائشة وفاطمة :
- وقال العلامة ابن القيم – رحمه الله - :" الخلاف في كون عائشة أفضل من فاطمة أو فاطمة أفضل إذا حرر محل التفضيل صار وفاقاً ، فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله – عز وجل – فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح ، وكم من عاملين أحدهما أكثر عملا بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة ، وإن أريد بالتفضيل بالعلم فلا ريب أن عائشة أعلم ,أنفع للأمة وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها ، وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب فلا ريب أن فاطمة أفضل فإنها بضعة من النبي – صلى الله عليه وسلم – وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير أخواتها ، وإن أريد السيادة ففاطمة سيدة نساء الأمة وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل ، وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل ، ولم يوازن بينهما فيبخس الحق وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصب وهوى لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم " ( بدائع الفوائد 3/161-162 – فتح الباري 7/109 ) .
- ثانيا ً : سودة بنت زمعة – رضي الله عنها - :
- قال الذهبي :" هي أول من تزوج بها النبي – صلى الله عليه وسلم – بها النبي بعد خديجة ، وانفردت به نحواً من ثلاث سنين أو أكثر حتى دخل بعائشة ، وكانت سيدة جليلة نبيلة ... وهي التي وهبت يومها لعائشة رعاية لقلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " ( سير أعلام النبلاء 2/266-267) .
- ومن حرصها على ابقاء في عصمة النبي – صلى الله عليه وسلم – أنها آثرت يومها لعائشة إيثاراً منها لرضاه عليه الصلاة والسلام وحباً في المقام معه لتكون من أزواجه في الدنيا والاخرة ، فكان النبي يقسم لنسائه ولا يقسم لها وهي راضية بذلك مؤثرة رضى رسول الله – رضي الله عنها - .
- ثالثاً : عائشة – رضي الله عنها وأرضاها - :
- هي عائشة بنت أبي بكر الصديق وأمها أم رومان بنت عامر الكنانية .
- كانت أحب أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – إليه وهي المبرأة من فوق سبع سماوات الصديقة بنت الصديق .
- لم يتزوج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بكراً غيرها ولم ينزل الوحي عليه في لحاف امرأة سواها ، وبسببها شرع التيمم ونزل القرآن ببراءتها وطهرها عندما رميت بالإفك آيات تتلى حتى قيام الساعة .
- وكانت أعلم نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – بل هي أعلم النساء على الإطلاق .
- كان الأكابر من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – يرجعون إلى قولها ويستفتونها .
- كانت وفاتها سنة ثمان وخمسين وصلى عليها أبو هريرة – رضي الله عنهم أجمعين - .
- من مناقبها :
- ما رواه البخاري أن عمرو بن العاص سأل النبي – صلى الله عليه وسلم - :" أي الناس أحب إليك قال عائشة قلت : من الرجال قال: أبوها " .
- وهذا الحديث فيه منقبة عظيمة لأم المؤمنين عائشة وهي أنها أحب الناس إلى قلبه ، قال الحافظ الذهبي :" وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض وما كان عليه الصلاة والسلام ليحب إلا طيبا ... فأحب أفضل رجل من أمته وأفضل امرأة من أمته ، فمن أبغض حبيبي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهو حري أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله ، وحبه عليه السلام لعائشة كان أمراً مستفيضاً " ( سير أعلام النبلاء 2/142 ) .
- ومن مناقبها :
- أن جبريل أرسل إليها سلامه مع النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فقد روى البخاري عن عائشة قالت :" قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوما يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام ، فقلت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ترى ما لا أرى – تريد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " .
- ومن مناقبها : ما رواه الشيخان عن ابي موسى الأشعري قال :" كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثؤيد على سائر الطعام " .
- من مناقبها عدم قبول النبي – صلى الله عليه وسلم – الشكوى في حقها :
- في البخاري :" كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقلن: يا أم سلمة، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس: أن يهدوا إليه حيثما كان، أو حيثما دار، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأعرض عني، فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها " .
- أخرج مسلم في صحيحه :" أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي. فأذن لها. فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. وأنا ساكتة. قالت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "أي بنية! ألست تحبين ما أحب؟" فقالت: بلى. قال "فأحبي هذه" قالت، فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بالذي قالت. وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلن لها: ما نراك أغنيت عنا من شيء. فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: والله! لا أكلمه فيها أبدا. قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب. وأتقى لله. وأصدق حديثا. وأوصل للرحم. وأعظم صدقة. وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله تعالى. ما عدا سورة من حد كانت فيها. تسرع منها الفيئة. قالت، فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها. على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها. فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: يا رسول الله! إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة. قالت ثم وقعت بي. فاستطالت علي. وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها. قالت فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر. قالت فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها. قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم "إنها ابنة أبي بكر " .
- والعدل الذي كن يسألن عنه هو التسوية بينهن في المحبة القلبية ، فقد كان – ومن خصائصها ومناقبها التي دلت على عظيم شأنها ورفعة مكانتها شهادة الباري جل وعلا لها بالبراءة مما رميت به من الإفك وبرأها مما رماها به أهل الإفك في عذرها وبراءتها وطهرها .
- قال ابن القيم :" أنزل في عذرها وبراءتها وحياً يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة وشهد لها بأنها من الطيبات ووعدها المغفرة والرزق الكريم ، وأخبر سبحانه أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرا لها ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شراً لها ولا خافضاً من شأنها بل رفعها الله بذلك وأعلى قدرها وأعظم شأنها وصار لها ذكراً بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء فيالها منقبة ما أجلها وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشيء عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها حيث قالت :" ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى ولكن كنت أرجو أن يري الله رسول الله رؤيا يبرئني الله بها " .
- ومما كان لها تشريفا أنها كانت سببا في نزول آية التيمم ، ففي البخاري أن " عائشة – رضي الله عنها – استعارت من أسماء قلادة فهلكت فأرسل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ناساً من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي – صلى الله عليه وسلم – شكوا ذلك إليه فنزلت آية التيمم فقال أسيد بن حضير :جزاك الله خيراً فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل لك منه مخرجاً وجعل فيه للمسلمين بركة "
- ومن فضائلها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما لحق بالرفيق الأعلى كان في بيتها وبين سحرها ونحرها وكان مسنداً ظهره إلى صدرها وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعاته في الدنيا وأول ساعة من الآخرة ودفن في بيتها .
- فقد روى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت :" أن رسول الله لما كان في مرضه جعل يدور بين نسائه ويقول :" أين أنا غداً ؟ " - حرصاً على بيت عائشة واستبطاء ليوم عائشة – فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري " .
- رابعاً : حفصة بنت عمر – رضي الله عنهما - :
- ولدت – رضي الله عنها – قبل المبعث بخمس سنين وتوفيت سنة خمس وأربعين .
- البخاري 3783 :" أن عمر بن الخطاب، حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرا، توفي بالمدينة، قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبث ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها " .
- قال الذهبي – رحمه الله - :" وروي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – تطليقه ثم راجعها بأمر جبريل عليه السلام له بذلك وقال :" إنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة " ( سير أعلام النبلاء 2/228) .
- وفي ما ذكرناه دلالة على أنها كانت على قدر كبير وجانب عظيم من رفعة مكانتها وجلالة قدرها – رضي الله عنها وأرضاها - .
- خامساً : زينب بنت خزيمة – رضي الله عنها - :
- يقال لها أم المساكين لكثرة إطعامها المساكين وهي من بني عامر بن صعصعة وتوفيت ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – حي .
- فيكفيها شرفاً وفخراً أنها احدى أمهات المؤمنين اللاتي ضرب عليهن الحجاب والللاتي هن أزواج نبيه في الدنيا والآخرة .
- كانت وفاتها سنة أربع للهجرة – رضي الله عنها وأرضاها - .
- سادساً : أم سلمة – رضي الله عنها - :
- اسمها هند بنت أبي أميمة القرشية المخزومية .
- روى الإمام مسلم في صحيحه عن أم سلمة قالت :" سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول :" ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها " قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، أرسل لي رسول – صلى الله عليه وسلم – حاطب بن أبي بلتعة يخطبني لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – " .
- من مناقبها أنها تشرفت برؤية جبريل حيث رأته عليه السلام في صورة دحية الكلبي ، فقد روى الشيخان في صحيحيهما عن أبي عثمان قال :" أنبئت أن جبريل أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – وعنده أم سلمة فجعل يتحدث فقال النبي – صلى الله عليه وسلم –لأم سلمة من هذا ؟ أو كما قال قالت هذا دحية فلما قام قالت والله ما حسبته إلا إياه حتى خطبه النبي – صلى الله عليه وسلم – يخبر خبر جبريل "
- قال الإمام النووي :" وفيه منقبة لأم سلمة – رضي الله عنها – وفيه جواز رؤية البشر الملائكة " .
- قال العلامة ابن القيم :" ومن خصائصها : أن جبريل دخل على النبي – صلى الله عليه وسلم – وهي عنده فرأته في صورة دحية الكلبي " .( جلاء الأفهام ص 136 ) .
- أكرمها الله بالصواب والسداد فيما تشير به ومن ذلك لما أشارت به على النبي – صلى الله عليه وسلم – عام الحديبية حينما أمر الصحابة أن يحلقوا رؤوسهم وينحروا هديهم فتثاقلوا ذلك طمعاً منهم في أن يدخلوا مكة ويطوفوا بالبيت .
- فقد روى البخاري في صحيحه :" فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (قوموا فانحروا ثم احلقوا). قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يانبي الله، أتحب ذلك، اخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيلحقك. فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل غما" .
- فهذه الأدلة فيها أنها كانت عظيمة القدر والمكانة وهي آخر أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – موتاً وقيل ميمونة .
- سابعاً :زينب بنت جحش – رضي الله عنها - :
- هي زينب بنت جحش كانت من سادة النساء دينا وورعاً وجوداً ومعروفاً رضي الله عنها وكانت وفاتها سنة عشرين .
- من مناقبها أنها كانت تقول :" زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات " . ( البخاري ) .
- وذلك لقول الله تعالى { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً }
- قال الإمام الذهبي :" فزوجها الله تعالى بنبيه بنص كتابه بلا ولي ولا شاهد فكانت تفخر بذلك على أمهات المؤمنين وتقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق عرشه " ( سير أعلام النبلاء 2/211 ) .
- في الصحيحين أن نساءه سألنه :" أينا أسرع بك لحوقا؟ قال: (أطولكن يدا). فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة أطولهن يدا، فعلمنا بعد: أنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقا به، وكانت تحب الصدقة " .
- لأن زينب كانت قصيرة فعلمن أن المقصود بطول اليد الصدقة وكانت – رضي الله عنها – كثيرة الصدقة .
- روى الإمام مسلم في صحيحه :" تقول عائشة عن زينب لم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به وتتقرب به إلى الله ما عدا سورة من حدة بها " .
- قال الإمام الذهبي :" ويروى عن عمرة عن عائشة قالت : يرحم الله زينب لقد نالت في الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف إن الله زوجها ونطق به القرآن وإن رسول الله قال لنا :" أسرعكن لحوقاً أطولكن باعاً " فبشرها بسرعة لحوقها به وهي زوجته في الجنة " ( السير 2/215 ) .
- ثامناً : جويرية بنت الحارث :
- هي جويرية بنت الحارث من بني المصطلق .
- وجاءت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وطلبت منه أن يعينها على مكاتبتها لنفسها عل ثابت بن قيس فعرض عليها النبي ما هو خير لها في العاجل والآجل وهو أن يؤدي عنها ما كاتبها لنفسها فوافقت على ذلك وأسلمت وتزوجها سيد الخلق وأطلق لها أسارى من قومها .
- توفيت – رضي الله عنها – سنة خمسين للهجرة .
- تاسعاً : أم حبيبة – رضي الله عنها - :
- هي رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها قال الذهبي – رحمه الله - :" وهي من بنات عم الرسول – صلى الله عليه وسلم – وليس في أزواجه من هي أقرب نسباً إليه منها ولا في نسائه من هي أكثر صداقاً منها ولا من تزوج بها وهي نائية الدار أبعد منها ، عُقد له – صلى الله عليه وسلم – عليها بالحبشة وأصدقها عنه صاحب الحبشة وأصدقها عنه صاحب الحبشة أربع مائة دينار وجهزها بأشياء " ( السير 2/219) .
- ومما زاد في قدرها وعلو شأنها أنها أكرمت فراش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أن يجلس عليه أبوها لما قدم المدينة لعقد الهدنة بين الرسول – صلى الله عليه وسلم – وبين قريش ومنعته من الجلوس عليه لأنه كان يومئذ على الشرك ولم يكن قد أسلم .
- كانت شديدة الخوف من الله – عز وجل – ومن العابدات الورعات فقد روى الحاكم عن عوف بن الحارث قال :" سمعت عائشة تقول دعتني أم حبيبة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم - عند موتها.
فقالت: قد كان بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله ذلك كله وتجاوز وحللتك من ذلك كله فقالت عائشة: سررتني سرّك الله وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت لها مثل ذلك وتوفيت: سنة أربع وأربعين، في إمارة معاوية -رضي الله تعالى عنهما- " .
- العاشرة : صفية بنت حيي بن أخطب :
- كانت – رضي الله عنها – ذات حسب وجمال ودين وكانت وفاتها سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية – رضي الله عنها - .
- الحادية عشر : ميمونة بنت الحارث – رضي الله عنها - :
- تسميتها باسم " ميمونة : إنما سماها بهذا الاسم المبارك هو النبي – صلى الله عليه وسلم – كما أخرجه الحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال :" كان اسم خالتي ميمونة برة فسماها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ميمونة " المستدرك 4/30 .
- حقوق أمهات المؤمنين :
- هؤلاء هن أمهات المؤمنين اللاتي يجب على كل مسلم الإقرار بفضلهن والاعتراف بعظم منزلتهن وأنهن أمهات المؤمنين كما أطلق الله ذلك عليهن وأن من طعن فيهن أو واحدة منهن كان بعيدا عن الله ورسوله وعباده المؤمنين .
- إن الإسلام الذي نؤمن به قد جعل لألأم منزلة عظيمة ، ومكانة سامية ، وحسبها شرفاً وفخراً أن يوصي الرسول – صلى الله عليه وسلم – أحد أصحابه وقد جاء يسأله :" من أحق الناس بحسن صحابتي قال : أمك قال ثم من ؟ قال : أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من ؟ قال أبوك " .
- وأمهات المؤمنين حقهن أكبر وأسمى من أمهات العصب والدم في المكانة ، وأعلى منزلة ، لذلك الأدب مع أمهات المؤمنين يكون كما يأتي :
- أولا ً : الترضي عليهن والصلاة عليهن :
- جاء الصحابة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيح أنهم قالوا :" يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا : اللهم صلّ على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد " .
- وعندما يفعل المرء ذلك فإنه علامة على تمام دينه ومن حسن أدبه ، ألم يطلب منا النبي أن نصلي عليهن كما نصلي عليه .
- ثانياً : معرفة فضلهن ومحبتهن :
- قال أبو بكر الباقلاني :" ويجب أن يعلم أن خير الأمة أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأفضل الصحابة العشرة الخلفاء الراشدون الأربعة – رضي الله عن الجميع - ونقر بفضل أهل البيت – بيت رسول الله – وأنهن أمهات المؤمنين ، ونبدع ونفسق ونضلل من طعن فيهن أو في واحدة منهن لنصوص الكتاب والسنة في فضلهم ومدحهم والثناء عليهم فمن ذكر خلاف ذلك كان فاسقاً للكتاب والسنة نعوذ بالله من ذلك " ( الانصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به ص 68 ) .
- ثالثاً : الإقتداء بهن ودراسة سيرتهن :
- ومن حسن الأدب مع أمهات المؤمنين الإقتداء بهن في كل شيء .
- فمثلا لقد ضربت أمهات المؤمنين أروع الأمثلة في طاعة الزوجة لزوجها مهما كلفتها الطاعة من مشاق .
- فهذه خديجة رضي الله عنها تتقدم على زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم – في نصرة الزوج وتصديق النبي من أول لحظة بعث فيها إلى الناس بشيراً ونذيراً ، وتقف بجانبه في أصعب اللحظات كما :" كلا أبشر. فوالله! لا يخزيك الله أبدا. والله! إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق " .
- وفي العلم الشرعي والتفقه في الدين
- وفي حسن العشرة والصبر على خشونة العيش نجد أنهن جميعا يضربن أروع الأمثلة في ذلك ، فهذه رملة بنت أبي سفيان – أم حبيبة – أم المؤمنين – رضي الله عنها – فقد كانت تحفظ من أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – ما يزيد على الألفي حديث .
- وكانت تفتي من يسألها من رجال ونساء في أدق المسائل ما يصعب على غيرها وماذاك إلا لقربها من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال هشام بن عروة عن أبيه :" ما رأيت أحداً أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة " .
- فعلى كل طالب للعلم أن يجعل من سيرة أم المؤمنين نبراساً له وسراجا مضيئا له ، فإنها نعم الأم ونعم المثل ونعم القدوة .
- وفي مجال الاجتهاد في العبادة والزهد وكلهن – رضي الله عنهن – مثل لذلك ، إلا أن حفصة بنت عمر – رضي الله عنها – تسبقهن في ذلك .
- فهذا جبريل – عليه السلام – ينزل من السماء فيقول للرسول – صلى الله عليه وسلم – وقد طلق النبي حفصة :" أرجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة " .
- وفي مجال التصدق على الفقراء والإحسان إليهن ، لا نستطيع أن ننكر على إحداهن – رضي الله عنهن أنها لم تتصدق على الفقراء وتحسن إليهن ، إلا أننا نجد زينب بنت جحش – رضي الله عنها – تتفوق على غيرها في هذا المجال ، وقد شهد لها الرسول بذلك .
- فقال :" أسرعكن لحاقاً بي أطولكم يدا " .
- فكانت أول من لحق بالنبي – صلى الله عليه وسلم – لأنها كانت أول من توفي من نساء النبي ولحق به ، لقد كانت سخية كريمة خيرة ، تتصدق على الفقراء والمساكين .
- وفي اجتهادهن في إرضاء النبي – صلى الله عليه وسلم – والبعد عن كل شيء قد يُظن – مجرد الظن – أنه قد يسيء إلى شخص النبي – صلى الله عليه وسلم – فهذه رملة بنت أبي سفيان ن أم حبيبة – أم المؤمنين – يأتي إليها أبوها وهو مشرك قبل فتح مكة ، ويدخل عليها بيتها ويهم بالجلوس على فراش رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
- فتخطف فراش رسول الله قبل أن يصل إليه وتعلن له صراحة بأنه لا يمكن له أن يقترب من فراش رسول الله الطاهر حتى لا ينجسه ، أو حتى لا يسيء إلى رسول الله وهو ما يزال بعد مشركا .
- عندما ظنت – مجرد الظن – أنه يسيء إلى زوجها إذا غاب عنها في نفسها وماله فهكذا يجب على كل امرأة أن تبالغ في إرضاء زوجها كما فعلت أم حبيبة – رضي الله عنها - .
- ثالثاً : من الأدب معهن الذب عنهن والوقوف في وجه من يسيء إليهن :
- كان سلفنا الصالح منذ عهد الصحابة إلى عصرنا هذا ، لا يزال الصالحون يضعون أمهات المؤمنين في مكانة عالية ولا يسمحون لأي شائن مبغض أن يطعن فيهن .
- بل يرون ذلك من أفضل القربات والجهاد في سبيل الله في الذب عنهن وتوقيرهن واحترامهن وحسن الأدب معهن .
- رابعاً : من الأدب معهن التسمي بأسمائهن :
- ينبغي على المسلمين تسمية البنات بأسماء أمهات المؤمنين .
- وأن نذكر بناتنا ونجعلهن دائما باتصال دائم وحب مستمر مع أمهات المؤمنين .
- وأن يتخلقن بأخلاقهن وعدم التشبه بالساقطات العاهرات الراقصات كما هو شأن عامة المسلمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق