إنَّ هذا الداء يفتك بالتوحيد !!
بداية من «فصل: دواء العشق» إلى «فصل: مقامات العشق» من شرح كتاب الداء والدواء لفضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله الا الله حده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله ةسلم أما بعد
فان اصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أما بعد
فقد سئل الشيخ الإمام العالم العلامة المتقن الحافظ الناقد شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الصالح أبي بكر المعروف بابن القيم الجوزية رحمه الله عنه ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضى الله عنهم أجمعين في رجل ابتلى ببلية وعلم أنها إن استمرت به أفسدت دنياه وآخرته وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق فما يزداد إلا توقدا وشدة ، أي زيادة وحدة أي تألما وعذابا فما الحيلة في دفعها وما الطريق إلى كشفها أي إلى رفعها فرحم الله من أعان مبتلى والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه أفتونا مأجورين أي لكم الأجر والمثوبة عند رب العالمين رحمكم الله تعالى
فأجاب الشيخ العالم شيخ الإسلام مفتي المسلمين شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر أيوب إمام الجوزية رحمه الله تعالى واستفاض في الجواب وقد علم أن المسئوول عنها هو ذلك الداء الدوي وذلك المرض الخفي الذي إذا أصاب نفسا أتلفها، وإذا وقع على روح أهلكها ، فما زال الشيخ في حظره وهو عدو الجواد المُضَّمر الجيد العدو ، حتى وصل إلى قوله ونختم الجواب بفصل متعلق بعشق الصور، لأن هذا هو الذي سأل عنه السائل .
قال: وما فيه من المفاسد العاجلة والآجلة وإن كانت أضعاف ما يذكره ذاكر فإنه يعني العشق يفسد القلب بالذات وإذا فسد فسدت الإرادات والأقوال والأعمال وفسد ثغر التوحيد وقد حط الله هذا المرض عن طائفتين من الناس وهم اللوطية والنساء فذكر الشيخ ما يتعلق بعشق النساء في عجالة وبين الداعي إلى ذلك في حالة امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام ثم خلص الشيخ رحمه الله إلى الطائفة الثانية الذين حكى الله عنهم العشق وهم اللوطية ثم انتهى إلى ذكر دواء هذا الداء فقال رحمه الله : ودواء هذا الداء القتال وهو أن يعرف إنما إبتلى به من الداء المضاد للتوحيد وهو إنما أوتي من جهة جهله وغفلة قلبه عن الله تعالى فعليه أن يعرف توحيد ربه وسننه وآياته أولا ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بم يشغل قلبه عن دوام الفكرة فيه ، ووصف أمرين، رصف أمرا علميا نظريا وأمرا عمليا عباديا واتي بذلك في عجالة خاطفة فعليه أن يعرف توحيد ربه وسننه وأياته أولا فهذا أمر علمي فيأتي بالعبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكرة فيه فهذا أمر عبادي عملي، فهذه الجملة مفيدة جدا وهي خلاصة ما قال وما سيقول رحمة الله عليه في علاج مرض العشق ، وهو أن يأتي الإنسان بذلك الأمر العلمي النظري، وأن يعرف ربه تبارك وتعالى ويوحده وأن يأتي بمعرفة سنن الله تعالى وآياته، ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بما يشغل قلبه عن دوام الفكرة فيه، لأن العشق حركة قلب فارغ ، وأما إذا جاء ووجد القلب ممتلئا بمحبة الله تبارك وتعالى فلا مجال له هنالك ، ويكثر اللجاء والتضرع الى الله سبحانه في صرف ذلك عنه وأن يرجع بقلبه إليه وليس له دواء أنفع من الإخلاص لله وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين وأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء ، فليس هناك أنفع من هذا الدواء الذي ذكرة الشيخ رحمه الله لهذا الداء القتَّال وهو الإخلاص لله تبارك وتعالى ، فأخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل وصرف عنه هذين الأمرين الكبيرين العظيمين صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل ، كذلك لنصرف عنه السوء من العشق والفحشاء الفعل إنه من عبادنا المخلصين، ذلك بإخلاصه صلى الله عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وسلم، فإنَّ القلب إذا خلص وأخلص عمله لله لم يتمكن منه عشق الصور أبدا فإنه إنما يمكن أي عشق الصور من قلب فارغ كما قال
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا خاليا فتمكنا
وليعلم العاقل أن العقل والشرع يوجبان تحصيل المصالح وتكميلها وإعدام المفاسد وتقليلها فإذا عرض للعاقل أمر يرى فيه مصلحة ومفسدة وجب عليه أمران أمر علمي وأمر عملي فالعلمي طلب معرفة الراجح من طرفي المصلحة والمفسدة فإذا تبين له الرجحان وجب عليه إيثار الأصلح له، هذه خلاصة مفيدة جدا يصلح بها أمر الدنيا والآخرة ، ليعلم العاقل أن العقل والشرع يوجبان ماذا ؟ تحصيل المصالح وتكميلها يعني إن لم تحصل تحصيلا كاملا فالتحصل تحصيلا مقاربا، وإعدام المفاسد وتقليلها، إعدام المفاسد جملة فإن لم يكن ذلكفلا أقل من أن تقلل إلى أقصى درجة يمكن أن يُتوصل إليها ، فإذا عرض للعاقل أمر يرى فيه مصلحة ومفسدة وجب عليه أمران أمر علمي وأمر عملي فالعلمي طلب معرفة الراجح من طرفي المصلحة والمفسدة ، وإلا فكيف يختار وقد اختلط الأمر هاهنا بصلحة ومفسدة فكيف يختار إن لم يكن عارفا المصلحة من المفسدة وجب عليه أمران أمر علمي وأمر عملي فالعلمي طلب معرفة الراجح من طرفي المصلحة والمفسدة فإذا تبين له الرجحان وجب عليه إيثار الأصلح له، فشرع الشيخ رحمه الله تبارك وتعالى في بيان أضرار العشق فقال: ومن المعلوم أنه ليس في عشق الصور مصلحة دينية ولا دنيوية بل مفسدته الدينية والدنيوية أضعاف أضعاف ما يقدر فيه من المصلحة إن وجدت وذلك من وجوه المفاسد التي تتعلق بهذا الأمر الذي إذا ابتلي به قلب هلك وإذا وقع على روح فكبر عليها أربعاً، قال الشيخ وهو يذكر مفاسد العشق
أول ذلك الإشتغال بحب المخلوق ذكره عن حب الرب تعالى وذكره لأن الله تبارك وتعالى خلقنا لمحبته التي تثمر لنا العبادة له وحده وتثمر لنا قبل ذلك توحيده والإقبال عليه بجماع القلب كما مر ذلك في ذكرما قرره الشيخ رحمة الله عليه فالإشتغال بحب المخلوق وذكره يصرف عن ذلك الغرض الأول، فأول ما في ذلك من المفاسد وهو أعظمها وهو الإشتغال بحب المخلوق ذكره عن حب الرب تعالى وذكره فلا يجتمع في القلب هذا وهذا إلا ويقهر أحدهما صاحبه لا يجتمعان إلا ويقهر أحدهما صاحبه ولا يمكن أن يجتمعا إلا إذا اجتمع الضدان في محل واحد وأهون أن تجمع الماء والنار في يدٍ من أن تجمع محبة الله تبارك وتعالى وذكره مع محبة المحبوب وذكره في قلب واحد، فإذا اجتمعا فلا بد أن يقهر أحدهما صاحبه وأن يكون السلطان والغلبة للقاهر منهما .
الثاني من مفاسد العشق عذاب قلبه به فإن من أحب شيئا غير الله عذب به ولا بد، كما قيل
فما في الأرض أشقى من محب ... وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكيا في كل حين ... مخافة فرقة أو لإشتياق
فيبكي إن ناؤا شوقا إليهم ... ويبكي إن دنو خوف الفراق
فتسخن عينه عند الفراق ... وتسخن عينه عند التلاق
والعشق وإن استعذبه صاحبه فهو من أعظم عذاب القلب
الثالث من مفاسد العشق أن العاشق قلبه أسير في قبضة غيره يسومه الهوان ولكن لسكرته لا يشعر بمصابه فقلب العاشق كعصفور في كف طفل يسومها حياض الردى والطفل يلهو ويلعب ، كما قال بعض هؤلاء
ملكت فؤادي بالقطيعة والجفى ... وأنت خلي البال تلهو وتلعب
عيش العاشق عيش الأسير الموثق وعيش الخلي عيش المسيب المطلق
والعاشق كما قيل
طليق برأي العين وهو أسير ... عليل على قطب الهلاك يدور
وميت يرى في صورة الحي غاديا ... وليس له حتى النشور نشور
أخو غمرات ضاع فيهن قلبه ... فليس له حتى الممات حضور
الرابع من مفاسد العشق أنه يشتغل به عن مصالح دينه ودنياه فليس شيء أضيع لمصالح الدين والدنيا من عشق الصور أما مصالح الدين فإنها منوطة بلم شعث القلب وإقباله على الله، نعم.. مصالح الدين جميعها معلقة منوطة مربوطة مرتبطة بلم شعث القلب على الله وعشق الصور أعظم شيئا تشعيثا وتشتيتا له وأما مصالح الدنيا فهي تابعة في الحقيقة لمصالح الدين فمن انفرطت عليه مصالح دينه وضاعت عليه فمصالح دنياه أضيع وأضيع .
الخامس من مفاسد العشق أن آفات الدنيا والآخرة أسرع إلى عشاق الصور من النار في يابس الحطب وسبب ذلك إن القلب كلما قرب من العشق قوى اتصاله به بعد من الله فأبعد القلوب من الله قلوب عشاق الصور وإذا بعد القلب من الله طرقته الآفات وتولاه الشيطان من كل ناحية واستولى عليه ولم يدع أذى يمكنه إيصاله إليه إلا أوصله إليه لماذا؟ لأنه كلما قرب من العشق وقوي اتصاله به بعد من الله فحين إذن يستحوذ عليه الشيطان، فما الظن بقلب تمكن منه عدوه وأحرص الخلق على غيِّه وفساده وبعده من وليه ومن لا سعادة له ولا فلاح ولا سرور ولا صلاح إلا بقربه وولايته
السادس أنه إذا تمكن من القلب واستحكم وقوى سلطانه أفسد الذهن وأحدث الوساوس وربما التحق صاحبه بالمجانين الذين فسدت عقولهم فلا ينتفعون به وأخبار العشاق في ذلك موجودة في مواضعها بل بعضها مشاهد بالعيان وأشرف ما في الإنسان عقله وبه يتميز عن سائر الحيوانات فإذا عدم عقله التحق بالبهائم بل ربما كان حال الحيوان أصلح من حاله وهل أذهب عقل مجنون ليلى وأضرابه إلا العشق وربما زاد جنونه على جنون غيره كما قيل
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... العشق أعظم مما بالمجانين
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون بالحين
السابعمن مفاسد العشق أنه ربما أفسد الحواس أو بعضها إما فسادا معنويا أو صوريا أما الفساد المعنوي فهو تابع لفساد القلب فإن القلب إذا فسد فسدت العين والأذن واللسان فيرى القبيح حسنا منه ومن معشوقه كما في المسند مرفوعا حبك الشيء يعمي ويصم1 فهو يعمي عين القلب عن رؤية مساوي المحبوب وعيوبه فلا ترى العين ذلك ويصم أذنه عن الإصغاء الى العذل-أي اللوم فيه- فيه فلا تسمع الأذن ذلك والرغبات تستر العيوب فإن الراغب في شيء لا يرى عيوبه حتى إذ زالت رغبته فيه أبصر عيوبه فشدت الرغبة غشاوة على العين تمنع من رؤية الشيء على ما هو به فيراه رؤية كاذبة لأن الكذب هو الإخبار عن الشيء على غير ما هو عليه فإذا أخبرت العين القوى المدركة الشيء على غير ما هو عليه فقد كذبت على من هي في رأسه. كما قيل
هويتك إذ عينى عليها غشاوة ... فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
والداخل في الشيء لا يرى عيوبه والخارج منه الذي لم يدخل فيه لا يرى عيوبه ولا يرى عيوبه إلا من دخل فيه ثم خرج منه ولهذا كان الصحابة الذين دخلوا في الاسلام بعد الكفر خير من الذين ولدوا في الاسلام قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنما تُقض عرى الاسلام عروة عروة إذا ولد في الاسلام من لا يعرف الجاهلية وأما فساده للحواس ظاهرا فإنه يمرض البدن وينهكه وربما أدى الى تلفه كما هو المعروف من أخبار من قتله العشق، إذن فهو يأتي بهذين الامرين يفسد الحواس أو بعضها وهذا الفساد الذي يقع على الحواس إما أن يقع عليها وقوعا معنويا أو يقع عليها وقوعا صوريا، فأما المعنوي فهو تابع لفساد القلب فإذ فسد القلب فسدت العين وفسدت الأذن وفسد اللسان فيرى القبيح حسناويرى معشوقه على أكمل صورة وهو ليس كذلك، وأما الإفساد الظاهر الصوري الذي يقع على الحواس فإن العشق يمرض البدن وينهكه وربما أدى إلى تلف البدن كما هو معروف من أخبار من قتلهم العشق وقد رفع الى ابن عباس رضي الله عنهما وهو بعرفة شاب قد نحل-نحل نحولا ونحل أي رق وهزل حتى عاد جلدا على عظم فقال: ما شأن هذا، فقالوا: به العشق، فجعل بن عباس يستعيذ من العشق عامة يومه.
الثامن من مفاسد العشق كما تقدم هو الإفراط في المحبة بحيث يستولي المعشوق على القلب من العاشق حتى لا يخلو من تخيله وذكره والفكر فيه –إذا كان صاحيا وإذا كان نائما -بحيث لا يغيب عن خاطره وذهنه إذن فقد أسره أشد أسر وأصعبه وأضيقه فعند ذلك تشتغل النفس عن استخدام القوة الحيوانية و النفسانية فتتعطل تلك القوى فيحدث بتعطيلها من الآفات على البدن والروح ما يعز دواؤه ويتعذر، فتتغير أفعاله و وصفاته ومقاصده ويختل جميع ذلك فتعجز البشر عن صلاحه كما قيل
الحب أول ما يكون لجاجة ... يأتى بها وتسوقه الأقدار
حتى إذا خاض الفتى لجج الهوي ... جاءت أمور لا تطاق كبار
والعشق مباديه سهلة حلوة وأوسطه هم وشغل قلب وسقم وآخره عطب وهلاك وقتل إن لم يتداركه عناية من الله كما قيل
وعش خاليا فالحب أوله عنا ... وأوسطه سقم وآخره قتل
وقال آخر
تولع بالعشق حتى عشق ... فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة ... فلما تمكن منها غرق
والعشق يكون في مبادئه سهلا حلوا وأما في أواسطه فهم وشغل قلب وسقم وكرب وغم وأما في اواخره فعظب وهلاك وقتل، ثم إنه يمضي فيه المرء رويدا رويدا حتى إذا ما تورط أخذ بالمنطق الذبَابي ، فإن الذباب إذا رأى العسل قال: من يوصلني إلى هذا العسل وله درهمان؟ فإذا ما تورط في العسل فلم يستطع منه فكاكا ولا منه خلاصا، قال: من يخرجني من العسل وله أربعة دراهم
تولع بالعشق حتى عشق ... فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة ... فلما تمكن منها غرق
والذنب له والإثم عليه فهو الجاني على نفسه وقد قعد تحت المثل السائر يداك أو كيا وفوك نفخ
وأصل هذا المثل أن رجلا كان في جزيرة من جزر البحر فأراد أن يعبر على زقٍ-أي على قربة- فلم يحسن إحكام ذلك الزق، حتى إذا توسط البحر خرجت منه الريح فغرق، فلم غشيه الموت إستغاث برجل فقال له الرجل يداك أو كتا-أي ربطتا ذلك الرباط على فم ذاك الزق أو القربة- وفوك نفخ، فيضرب لمن يجني على نفسه .
ثم شرع الشيخ رحمه الله في كشف مقامات العاشق فقال
والعاشق له ثلاث مقامات مقام ابتداء ومقام توسط ومقام انتهاء فأما مقام ابتدائه قالوا يجب عليه فيه مدافعته بكل ما يقدر عليه إذا كان الوصول الى معشوقه متعذرا قدرا وشرعا فإن عجز عن ذلك وأبى قلبه إلا السفر الى محبوبه وهذا مقام التوسط والإنتهاء فعليه كتمانه ذلك وأن لا يفشيه الى الخلق ولا يشمت بمحبوبه ولا يهتكه بين الناس- إذا كان متعذرا عليه أن يصل إليه قدرا وشرعا- فيجمع حينئذ إن أفشى سره بين الظلم والشرك فإن الظلم في هذا الباب من أعظم أنواع الظلم وربما كان أعظم ضررا على المعشوق وأهله من ظلمه في ماله فإنه يعرض المعشوق بهتكه في عشقه الى وقوع الناس فيه وانقسامهم الى مصدق ومكذب وأكثر الناس يصدق في هذا الباب بأدنى شبهة وإذا قيل فلان فعل بفلان أو بفلانه كذبه واحد وصدقه تسعمائة وتسعة وتسعين –فالظلم في هذا الباب أكبر ما يكون -وخبر العاشق للهتك عن المتهتك عند الناس في هذا الباب يفيد القطع اليقين بل إذا أخبرهم المفعول به عن نفسه كذبا وافتراء على غيره جزموا بصدقة جزما لا يحتمل النفيض بل لو جمعهما مكانا واحدا إتفاقا جزموا أن ذلك عن وعد وإتفاق بينهما وجزمهم في هذا الباب على الظنون والتخييل والشبهة والأوهام والأخبار الكاذبة كجزمهم بالحسيات المشاهدة وبذلك وقع أهل لإفك
في الطيبة المطيبة الشريفة المبرأة حبيبة رسول الله، المبرأة من فوق سبع سموات بشبهة مجيء صفوان بن المعطل رضي الله عنه بها وحده خلف العسكر حتى هلك من هلك ولولا أن تولى الله سبحانه براءتها والذب عنها وتكذيب قاذفها لكان أمرا آخر-فالناس تصدق في هذا الباب بأوهن الظنون والمقصود ان في إظهار المبتلى عشق من لا يحل له الإتصال به من ظلمه وأذاه ما هو عدوان عليه وعلى أهله وتعريض لتصديق كثير من الناس ظنونهم فيه فإن استعان عليه ممن يستميله إليه إما برغبة أو رهبة تعدى الظلم وانتشر وصار ذلك ذلك الواسطة ديوثا ظالم وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد لعن الرائش وهو الواسطة بين الراشي والمرتشي لإيصال الرشوة 2 قال: فما الظن بالديوث الواسطة بين العاشق والمعشوق في الوصلة المحرمة فيتساعد العاشق والديوث على ظلم المعشوق وغيره ممن يتوقف حصول غرضهما على ظلمه في نفس أومال أو عرض فإن كثيرا ما يتوقف حصول المطلوب فيه غرضه على قتل نفس يكون حياتها مانعة من غرضه وكم قتيل طل دمه- يعني ذهب هدرا فلم يقتص من قاتله، لم تؤخذ له دية- بهذا السبب من زوج وسيد قريب وكم خبثت امرأة على بعلها-أي أُفسدت - وجارية وعبد على سيدهما وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم على من فعل ذلك وتبرأ منه ، في تخبيب المرأة على زوجها قال النبي صلى الله عليه وسلم" في لعنه فيما حكاه عنه صحابته رضي الله عنهم " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبب امرأة على زوجها "، وخبب أي مازال يخدعها ويغويها حتى أفسدها عليه 3 .
وإذا كان النبي قد نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه4 وأن يستام على سومه فكيف بمن يسعى بالتفريق بينه وبين امرأته وأمته حتى يتصل بهما وعشاق الصور ومساعدوهم من الديايثة-جمع ديوث من لا يغار على أهله- لا يرون ذلك ذنبا فإن طلب العاشق وصل معشوقه ومشاركة الزوج والسيد ففي ذلك من إثم ظلم الغير ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة ،وإن لم يربو عليها وقد يزيد عليه ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة فإن التوبة وإن أسقطت حق الله فحق العبد باق له المطالبة به يوم القيامة فإن من ظلم الوالد بإفساد ولده وفلذة كبده ومن هو أعز عليه من نفسه وظلم الزوج بإفساد حبيبته والجناية على فراشه أعظم ممن ظلم الوالد أو الزوج بأخذ ماله كله، ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه بأخذ ماله ولا يعدل ذلك عنده إلا سفك دمه ، فيا له من ظلم أعظم إثما من فعل الفاحشة فإن كل ذلك حقا لغاز في سبيل الله وقف له الجاني الفاعل يوم القيامة وقيل له خذ من حسناته ما شئت كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم5 ثم قال فما ظنكم أي فما تظنون تبقى له من حسناته فإن إنضاف الي ذلك أن يكون المظلوم جارا أو ذا رحم محرم تعدد الظلم وصار ظلما مؤكدا لقطيعة الرحم وأذي الجار ولا يدخل الجنة قاطع رحم6 ولا من لا يأمن جاره بوائقه7 ،فإن استعان العاشق على وصال معشوقه بشياطين الجن إما بسحر أو استخدام أو نحو ذلك ضم الى الشرك والظلم كفر السحر فإن لم يفعله هو ورضي به كان راضيا بالكفر غير كاره لحصول مقصوده وهذا ليس ببعيد من الكفر والمقصود أن التعاون في هذا الباب تعاون على الإثم والعدوان وأما ما يقترن بحصول غرض العاشق
من الظلم المنتشر المتعدي ضرره فأمر لا يخفى فإنه إذا حصل له مقصوده من المعشوق فللمعشوق أمور أخر يريد من العاشق إعانته عليها فلا يجد من إعانته بدا فيبقى كل منهما يعين الآخر على الظلم والعدوان فالمعشوق يعين العاشق على ظلم من اتصل به من أهله وأقاربه وسيده وزوجه والعاشق يعين المعشوق على ظلم من يكون غرض المعشوق متوقفا على ظلمه فكل منهما يعين الآخر على أغراضه التي يكون فيها ظلم الناس فيحصل العدوان والظلم للناس بسبب اشتراكهما في القبح لتعاونهما بذلك على الظلم كما جرت به العادة بين العشاق والمعشوقين من إعانة العاشق لمعشوقه على ما فيه ظلم وعدوان وبغي حتى ربما يسعى له في منصب لا يليق به ولا يصلح لمثله في تحصيل مال من غير حله وفي استطالته على غيره فإذا اختصم معشوقه وغيره أو تشاكيا لم يكن إلا في جانب المعشوق ظالما كان أو مظلوما هذا الى ما ينضم الى ذلك من ظلم العاشق للناس بالتحيل على أخذ أموالهم والتوصل بهما الى معشوقه بسرقة أو غصب أو خيانة أو يمين كاذبة أو قطع طريق ونحو ذلك وربما أدى ذلك الى قتل النفس التي حرم الله ليأخذ ماله ليتوصل به الى معشوقه، فهل في الدنيا أكبر من هذا؟ نسأل الله العافية والسلامة. فكل هذه الآفات وأضعافها وأضعاف أضعافها تنشأ من عشق الصور وربما حمله على الكفر الصريح وقد تنصر جماعة ممن نشأ في الإسلام بسبب العشق كما جرى لبعض المؤذنين حين أبصر وهو على سطح مسجد امرأة جميلة ففتن بها فنزل ودخل عليها وسألها نفسها فقالت هي نصرانية فإن دخلت في ديني تزوجت بك ففعل فرقي في ذلك اليوم على درجة عندهم فسقط منها فمات ذكر هذا عبد الحق في كتاب العاقبة له رحمه الله وإذا أراد النصارى أن ينصروا الأسير أروه امرأة جميلة وأمروها أن تطمعه في نفسها-وكأنه يتحدث رحمه الله عما يقع في زماننا من سلوك هذا المسلك عند بعض أعداء الإسلام فأمروها أن تطمعه في نفسها حتى إذا تمكن حبها من قلبه بذلت له نفسها إن دخل في دينها فهنالك يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء، وفي العشق من ظلم كل واحد من العاشق والمعشوق لصاحبه لمعاونته له على الفاحشة وظلمه لنفسه فكل منهما ظالم لنفسه وصاحبه وظلمهما متعد الى الغير كما تقدم وأعظم من ذلك ظلمهما بالشرك فقد تضمن العشق أنواع الظلم كلها والمعشوق إذا ! لم يتق الله فإنه يعرض العاشق للتلف وذلك ظلم منه بأن يطمعه في نفسه ويتزين له ويستميله بكل طريق حتى يستخرج منه ماله ونفعه ولا يمكنه من نفسه لئلا يزول غرضه بقضاء وطره منه فهو يسومه سوء العذاب والعاشق ربما قتل معشوقه ليشفي نفسه منه ولا سيما إذا جاد المعشوق بالوصال لغيره وكم للعشق من قتيل من الجانبين وكم قد زال من نعمة وأفقر من غنى وأسقط من مرتبة وشتت من شمل وكم أفسد من أهل للرجل وولد فإن المرأة إذا رأت بعلها عاشقا لغيرها اتخذت هي معشوقا لنفسها فيصير الرجل مترددا بين خراب بيته بالطلاق وبين القيادة ، فيرضى عنها فتسكت عنه فمن الناس من يؤثر هذا-يعني الطلاق- ومنهم من يؤثر هذا-يعني القيادة أي الدياثة- فعلى العاقل أن لا يُحكم على نفسه عشق الصور لئلا يؤديه ذلك إلى هذه المفاسد أو أكثرها أو بعضها فمن فعل ذلك فهو المفرط بنفسه والمغرور بها فإذا هلكت فهو الذي أهلكها- يعني كيف أهلكها يقول الشيخ- فلولا تكراره النظر الى وجه معشوقه وطمعه في وصاله لم يتمكن عشقه من قلبه فإن أول أسباب العشق الإستحسان سواء تولد عن نظر أو سماع فإن لم يقارنه طمع في الوصال وقارنه الأياس من ذلك لم يحدث له العشق فإن إقترن به الطمع فصرفه عن فكره ولم يشغل قلبه به لم يحدث له ذلك فإن أطال مع ذلك الفكر في محاسن المعشوق وقارنه خوف ما هو أكبر عنده من لذة وصاله إما خوف ديني كخوف النار وغضب الجبار واجتناب الأوزار وغلب هذا الخوف على ذلك الطمع والفكر لم يحدث له العشق فإن فاته هذا الخوف وقارنه خوف دنيوي كخوف إتلاف نفسه وماله وذهاب جاهه وسقوط مرتبته عند الناس وسقوطه من عين من يعز عليه وغلب هذا الخوف لداعي العشق دفعه وكذلك إذا خاف من فوات محبوب هو أحب إليه وأنفع له من ذلك المعشوق وقدم محبته على محبة المعشوق إندفع عنه العشق فإن انتفى ذلك كله أو غلبت محبة المعشوق لذلك إنجذب إليه القلب بالكليته ومالت إليه النفس كل الميل، ثم ذكر الشيخ جملة إعتراضية طالت حتى بلعت ثلاثة عشرة صفحة –جملة إعتراضية- قال الشيخ فإن قيل وجواب هذا الشرط والإستفهام بعد هذاالمدى المتطاول مما ذكره في قيل القول الأول، فإن قيل قال: فالجواب وبالله التوفيق بعد هذا المدى فلا يغيبن هذا عنك وليكن دائما منك على ذكرفإن ما سيأتي ليس مما يقرره الشيخ وإنما مما سيدفعه بعد فإن طال عليك المدى أو شغلك شاغل عن هذا الذي قاله شرطا واستفهاما فإن قيل؟ قال ثم استفهم في آخر هذه الجملة فإن طال عليك المدى أو شغلك شاغل وقعت فيما لا يحسن في حق الرجل أو أسست على أمور سينكرها هو بعد ، فتأسس عليها أحكاما الدين منها بريء ربما تعلق بعضها برسول الله صلى الله عليه وسلم وبداوود عليه السلام ، كما سيأتي أيضا في هذه الجملة الإعتراضية التي طالت هذا المطال، فما أطول نفسه وما أغزر علمه رحمة الله عليه، فإن قيل قد ذكرتم آفات العشق ومضاره ومفاسده فهلا ذكرتم منافعه وفوائده التي من جملتها رقة الطبع وترويح النفس وخفتها وزوال ثقلها ورياضتها وحملها على مكارم الأخلاق من الشجاعة والكرم والمروءة ورقة الحاشية ولطف الجانب- هذا استفهام بدأ بهذا الشرط- فما جوابه؟ هنالك بعد أن يسوق ما يسوق مما قيل ما قيل فإن قيل –يعني أنتم ذكرتم ما ذكرتم من آفات العشق ومضاره ومفاسده، فهلا ذكرتم منافعه وفوائده التي من جملتها رقة الطبع وترويح النفس وخفتها وزوال ثقلها ورياضتها وحملها على مكارم الأخلاق من الشجاعة والكرم والمروءة ورقة الحاشية ولطف الجانب ؟ هذا هو السؤال ثم شرع في ذكر ما قالوه وقد قيل ليحيى بن معاذ الرازي إن إبنك قد عشق فلانة فقال الحمد لله الذي صيره الى الطبع الآدمي-هذا كلامهم يستدلون بذلك على ما في العشق من فوائد، فينبغي أن يؤخذ بعين الرعاية، فقال الحمد لله الذي صيره الى الطبع الآدمي وقال بعضهم العشق دواء أفئدة الكرام وقال غيره العشق لا يصلح إلا لذي مروءة طاهرة وخليقة ظاهرة أو لذي لسان فاضل وإحسان كامل أو لذي أدب بارع وحسب ناصع-كلامهم- وقال آخر العشق جنان الجبان ويصفي ذهن الغبي ويسخي كف البخيل ويذل عزة الملوك ويسكن نوافر الأخلاق وهو أنيس من لا أنيس له وجليس من لا جليس له –فإن قيل هذا الذي يقال- وقال آخر العشق يزيل الأثقال ويلطف الروح ويصفي كدر القلب ويوجب الإرتياح لأفعال الكرام كما قيل
سيهلك في الدنيا شفيق عليكم ... إذا غاله من حادث الحب غائله
كريم يميت السر حتى كأنه ... إذا استفهموه عن حديثك جاهله
يود بأن يمسي سقيما لعلها ... إذا سمعت عنه بشكوى تراسله
ويهتز للمعروف في طلب العلى ... لتحمد يوما عند ليلى شمائله
فالعشق يحمل على مكارم الأخلاق وقال بعض الحكماء العشق يروض النفس ويهذب الأخلاق إظهاره طبعي وإضماره تكلفي وقال الآخر من لم تبتهج نفسه بالصوت الشجي والوجه البهي فهو فاسد المزاج يحتاج الى علاج وأنشد في ذلك المعنى
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ... فما لك في طيب الحياة نصيب
وقال الآخر
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ... فأنت وعير في الفلات سواء
وقال الآخر
اذا أنت لم تعشق ولم تدرى ما الهوى ... فقم فاعتلف تبنا فأنت حمار
ولا يخفى عليك أن هذه جميعها من الشهادات المردودة لأنها من صاحب هوى ، فالذي يقول هذا يشهد لنفسه وحينئذٍ فهذه جميعها شهادات باطلة مردودة قالوا:
وقال بعد العشاق أولي العفة والصيانة إذ عفوا تشرفوا وإذا عشقوا تظرفوا وقيل لبعض العشاق ما كنت تصنع بمن تهوى لو ظفرت به فقال كنت أمتع طرفي بوجهه وأروح قلبي بذكره وحديثه واستر منه مالا يحب كشفه ولا أصير بقبح الفعل الى ما ينقض عهده ثم أنشد
أخلو به فأعف عنه تكرما ... خوف الديانة لست من عشاقه
كالماء في يد صائم يلتذ به ... ظمأ فيصبر عن لذيذ مذاقه
وقال أبو اسحق بن ابراهيم أرواح العشاق عطرة لطيفة وأبدانهم رقيقة خفيفة نزهتهم الموانسة وكلامهم يحيي موات القلوب ويزيد في العقول ولولا العشق والهوى لبطل نعيم الدنيا –فإن قيل- وقال آخر العشق للأرواح بمنزلة الغذاء للأبدان أن تركته ضرك وإن أكثرت منه قتلك وفي ذلك قيل
خليلي إن الحب فيه لذاذة ... وفيه شقاء دائم وكروب
على ذاك ما عيش يطيب بغيره ... ولا عيش إلا بالحبيب يطيب
ولا خير في الدنيا بغير صبابة ... ولا في نعيم ليس فيه حبيب وذكر الخرائطي عن أبي غسان قال مر أبو بكر الصديق رضي الله عنه بجارية وهي تقول
وهويته من قبل قطع تمائمي ... متمايلا مثل القضيب الناعم
فسألها أحرة أنت أم مملوكة قالت بل مملوكة فقال هواك فتلكأت فأقسم عليها فقالت
وأنا التي لعب الهوى بفؤادها ... قتلت بحب محمد بن القاسم
-وهذا كلام لا يمكن أن يكون مر بأبي بكر رضوان الله عليه ولا سمعه-
فاشتراها من مولاها وبعث بها الى محمد بن القاسم بن جعفر بن أبي طالب-لماذا لأم محمد بن القاسم لم يدرك أبا بكر الصديق! فالظاهر أن كلمة الصديق مقحمة لا أصل لها والخرائطي هذا ممن لا يوثق بنقله فيقول أنه فاشتراها من مولاها وبعث بها الى محمد بن القاسم بن جعفر بن أبي طالب فقال هؤلاء فتن الرجال وكم والله مات بهن كريم وعطب بهن سليم وجاءت جارية عثمان بن عفان رضي الله عنه تستعدي على رجل من الأنصار فقال لها عثمان ما قصتك قالت كلفت يا أمير المؤمنين بإبن أخيه-يعني أحبته حيا مهلكا فما انفك أداعبه فقال له عثمان إما أن تهبها الى إبن أخيك أو أعطيك ثمنها من مالي فقال أشهدك يا أمير المؤمنين إنها له، قالوا الذين يحكي عنهم الشيخ يحكي هذه الشبه ونحن لا ننكر فساد العشق الذي متعلقه فعل الفاحشة بالمعشوق وإنما الكلام في العشق العفيف من الرجل الظريف الذي يأبى له إيمانه ودينه وعفته ومروءته أن يفسد مابينه وبين الله وما بينه وبين معشوقة بالحرام وهذا عشق السلف الكرام والأئمة الأعلام -هذا كلامهم- فيذهب رجل إلى هذا الكتاب ويأتي بهذا السقف ويقول قال شيخ الإسلام العالم العلامة والبحر الحبر الفهامة بقية سلف الصالحين والكرام المؤفلين وإنَّما يذكر ذلك إنما يذكر ذلك لشيء في صدره ثم يقول قال الشيخ هذا عشق السلف الكرام والأئمة الأعلام، وليس كذلك وإنما هو من كلامهم الذي يرد عليهم وما كام فيه من ذلك فإنما وضع في غير موضعه فماذا كان من نقلهم؟
قالوا:هذا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة عشق حتى اشتهر أمره ولم ينكر عليه وعد ظالما من لامه ومن شعره
كتمت الهوى حتى أضر بك الكتم ... ولامك أقوام ولومهم ظلم
فنم عليك الكاشحون وقبلهم ... عليك الهوى قد نم ما ينفع الكتم
فأصبحت كاهندي إذ مات حسرة ... على أثر هند كمن شفه سقم
تجنبت إتيان الحبيب تأثما ... ألا أن هجران الحبيب هو الإثم
فذق هجرها قد كنت تزعم أنه ... رشاد ألاياء ربما كذب الزعم
وهذا عمر بن عبد العزيز وعشقه لجارية فاطمة بنت عبد الملك بن مروان وإمرأته مشهورة وكانت جارية بارعة الجمال وكان معجبا بها وكان يطلبها من إمرأته ويحرص على أن تههاله فتأبى ولم تزل الجارية في نفس عمر فلما استخلف أمرت فاطمة بالجارية فاصلحت وكانت مثلا في حسنها وجمالها ثم دخلت على عمر وقالت يا أمير المؤمنين إنك كنت معجبا بجاريتي فلانة فسألتنيها أن أهبها لك فأبيت عليك والآن فقد طابت نفسي لك بها فلما قالت له ذلك استبان الفرح في وجهه وقال عجلي بها علي فلما دخلت بها عليه ازداد به عجبا وقال لها ألقي ثيابك ففعلت ثم قال لها على رسلك أخبريني لمن كنت ومن أين صرت لفاطمة فقالت أغرم الحجاج عاملا له بالكوفة مالا وكنت في رقيق ذلك العامل قالت فأخذني وبعث بي الى عبد الملك فوهبني لفاطمة قال وما فعل ذلك العامل قالت هلك قال وهل ترك ولدا قالت نعم قال فما حالهم قالت سيئة قال شدي عليك ثيابك واذهبي الى مكانك ثم كتب الى عامله على العراق أن إبعث الي فلان بن فلان على البريد فلما قدم قال له ارفع الي جميع ما أغرمه الحجاج لأبيك فلم يرفع إليه شيئا إلا دفعه إليه ثم أمر بالجارية فدفعت إليه ثم قال له إياك وإياها فلعل أباك قد وقع بها فقال الغلام هي لك يا أمير المؤمنين قال لا حاجة لي بها قال فابتعها مني قال لست إذا ممن نهى نفسه عن الهوى فلما عزم الفتى على الإنصراف قالت أين وجدك-أي حبكلي يا أمير المؤمنين قال على حاله ولقد زاد ولم تزل الجارية في نفس عمر حتى مات رحمه الله وهذا أبو بكر بن محمد بن داود الظاهري العالم المشهور في فنون العلم من الفقه والحديث والتفسير والأدب وله قول في الفقه وهو من أكابر العلماء وعشقه مشهور- الله المستعان الله المستعان اللهم وعافنا واعف عنا وارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء وصلى الله على نبينا محمد ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق