الخميس، 29 ديسمبر 2011

أنا جالس ذات ليلة بين القبر والمنبر





وقال عبد الله بن معمر القيسي حججت سنة ثم دخلت مسجد المدينة لزيارة قبر النبي
فبينما أنا جالس ذات ليلة بين القبر والمنبر
إذا سمعت أنينا فأصغيت إليه فإذا هو يقول


أشجاك نوح حمائم السدر % فأهجن منك بلابل الصدر
أم عز نومك ذكر غانية % أهدت إليك وساوس الفكر
يا ليلة طالت على دنف % يشكو السهاد وقلة الصبر
أسلمت من تهوى لحر جوى % متوقد كتوقد الجمر
فالبدر يشهد إنني كلف % مغرم بحب شبيهة البدر
ما كنت أحسبني أهيم بحبها % حتى بليت وكنت لا أدري


ثم انقطع الصوت فلم أدر من أين جاء
وإذا به قد عاد البكاء والأنين ثم أنشد يقول


أشجاك من ريا خيال زائر % والليل مسود الذوائب عاكر
واعتاد مهجتك الهوى برشيشة % وأهتاج مقلتك الخيال الزائر
ناديت ريا والظلام كأنه % يم تلاطم فيه موج زاخر
والبدر يسري في السماء كأنه % ملك ترجل والنجوم عساكر
وترى به الجوزاء ترقص في الدجى % رقص الحبيب علاه سكر طاهر
يا ليل طلت على محب ماله % إلا الصباح مساعد وموازر
فأجابني مت حتف أنفك واعلمن % إن الهوى لهو الهوان الحاضر



قال وكنت ذهبت عند ابتدائه بالأبيات فلم يتنبه إلا وأنا عنده
فرأيت شابا مقتبلا شبابه قد خرق الدمع في خده خرقين فسلمت عليه
فقال إجلس من أنت
فقلت عبد الله بن معمر القيسي
قال ألك حاجة

قلت نعم كنت جالسا في الروضة فما راعني إلا صوتك فبنفسي أفديك
فما الذي تجده


فقال أنا عتبة بن الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري

غدوت يوما الى مسجد الأحزاب فصليت فيه ثم اعتزلت غير بعيد فإذا بنسوة قد أقبلن يتهادين مثل القطا وإذا في وسطهن جارية بديعة الجمال كاملة الملاحة فوقفت علي
وقالت يا عتبة ما تقول في وصل من يطلب وصلك

ثم تركتني وذهبت فلم أسمع لها خبرا ولم أقف لها على أثر فأنا حيران أنتقل من مكان الى مكان ثم انصرع وأكب مغشيا عليه ثم أفاق كأنما أصبغت وجنتاه بورس

ثم أنشد يقول

أراكم بقلبي من بلاد بعيدة % فياهل تروني بالفؤاد على بعدي
فؤادي وطرفي ناسفان عليكم % وعندكم روحي وذكركم عندي
ولست ألذ العيش حتى أراكم % ولو كنت في الفردوس جنة الخلد


فقلت يا إبن أخي تب الى ربك واستغفره من ذنبك فبين يديك هول المطلع
فقال ما أنا بسائل حتى يذوب العارضان
فلم أزل معه حتى طلع الصباح

فقلت قم بنا الى مسجد الأحزاب فلعل الله أن يكشف كربتك
فقال أرجوا ذلك إن شاء الله ببركة طاعتك
فذهبنا حتى أتينا مسجد الأحزاب


فسمعته يقول

يا للرجال ليوم الأربعاء أما % ينفك يحدث لي بعد النهار طربا
ما إن يزال غزال منه يقلقني % يأتي الى مسجد الأحزاب منتقبا
يخبر الناس إن الأجر همته % وما أنا طالبا للأجر محتسبا
لو كان يبغي ثوابا ما أتى صلفا % مضمخا بفتيت المسك مختضبا


ثم جلسنا حتى صلينا الظهر
فإذا بالنسوة قد أقبلن وليست الجارية فيهن
فوقفن عليه

وقلن له يا عتبة ما ظنك بطالبة وصلك وكاشفة بالك
قال وما بالها

قلن أخذها أبوها وارتحل بها الى أرض السماوة فسئلتهن عن الجارية

فقلن هي ريا بنت الغطريف السلمي

فرفع عتبة اليهن رأسه وقال

خليلي ريا قد أجد بكورها % وسارت إلى أرض السماوة وغيرها
خليلي إني قد غشيت من البكا % فهل عند غيري مقلة أستعيرها

فقلت له إني قد وردت بمال جزيل أريد به أهل الستر ووالله لأبذلنه أمامك حتى تبلغ رضاك وفوق الرضاء


فقم بنا الى مسجد الأنصار

فقمنا وسرنا حتى أشرفنا على ملأ منهم
فسلمت فأحسنوا الرد

فقلت أيها الملأ ما تقولون في عتبة وأبيه

قالوا من سادات العرب


قلت فإنه قد رمى بداهية من الهوى وما أريد منكم إلا المساعدة الى السماوة

فقالوا سمعا وطاعة

فركبنا وركب القوم معنا حتى أشرفنا على منازل بني سليم
فأعلم الغطريف بنا فخرج مبادرا فاستقلبنا
وقال حييتم بالإكرام

فقلنا وأنت فحياك الله إنا لك أضياف

فقال نزلتم أكرم منزل فنادي يا معشر العبيد أنزلوا القوم ففرشت الإنطاع والنمارق وذبحت الذبائح

فقلنا لسنا بذائقي طعامك حتى تقضي حاجتنا

فقال وما حاجتكم

قلنا نخطب عقليتك الكريمة لعتبة بن الحباب بن المنذر

فقال إن التي تخطبونها أمرها الى نفسها وأنا أدخل أخبرها

ثم دخل مغضبا على إبنته

فقال يا أبت مالي أرى الغضب في وجهك

فقال قد ورد الأنصار يخطبونك مني

فقال سادات كرام إستغفر لهم الرسول فلمن الخطبة منهم

قال لعتبة

قالت والله لقد سمعت عن عتبة هذا إنه يفي بما وعد ويدرك إذا قصد


فقال أقسمت لأزوجنك إياه أبدا ولقد نمى الي بعض حديثك معه

فقالت ما كان ذلك ولكن إذا أقسمت فإن الأنصار لا يردون ردا قبيحا فأحسن لهم الرد

فقال بأى شيء

قالت اغلظ عليهم المهر فإنهم قوم يرجعون ولا يحيبون
فقال ما أحسن ما قلت فخرج مبادرا عليهم
فقال إن فتات الحي قد أجابت ولكني أريد لها مهر مثلها فمن القائم به
فقال عبد الله بن معمر أنا فقل ما شئت
فقال ألف مثقال من الذهب ومائة ثوب من الأبراد وخمسة أكرسة من عنبر


فقال عبد الله لك ذلك كله فهل أحببت

قال نعم قال عبد الله فأنفذت نفرا من الأنصار الى المدينة فأتوا بجميع ما طلب ثم صنعت الوليمة فاقمنا على ذلك أياما ثم

قال خذوا فتاتكم وانصرفوا مصاحبين ثم حملها في هودج وجهز بثلاثين راحلة من المتاع والتحف فودعناه وسرنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق