الجمعة، 23 ديسمبر 2011

زَلَّ أقدامُ أُناسٍ مِن على الصّراط



نعم ، بَعد أن تَزَلَّ أقدامُ أُناسٍ مِن على الصّراط ويَسْقُطون في جهنَّم ، يَبقَى الأملُ لِبَعضِهم أن يَشمَلَهُم اللهُ بِرَحْمَتِه ويَنْتَشِلَهم من النَّار بعد أن تكون قد أتتْ على أجسادهم . شرطٌ وحيد : أن يَكُونُوا ماتُوا على قول لا إلهَ إلاَّ الله .

أمَّا الذين لَم يَعبُدوه ، أو أشركُوا معه في العبادة شيئًا آخر ، مثل حال المسيحيّين اليوم ، أو لم يدخُلُوا في الإسلام بعد بعثة النَّبيّ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ، فليس لهم أدْنَى أمَل في الخروج من النَّار ، إنَّه الخُلُود فيها أبَدَ الآبِدِين .

وقد ذكَرْنا في العنصر السّابق الحديث الطَّويل الذي رواه الإمام البخاري ، وفيه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ... حتَّى إذا فَرغَ اللهُ من القضاء بين عباده وأراد أن يُخْرِجَ مِن النَّار مَن أرادَ أن يُخْرِج ، مِمَّنْ كان يَشْهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ الله ، أمَرَ الملائكَةَ أن يُخْرِجُوهم ، فَيَعْرِفُونَهم بعَلامَة آثَار السُّجُود ، وحرَّمَ اللهُ على النَّار أن تأكُلَ مِن ابن آدمَ أثَرَ السُّجُود . فيُخْرجُونَهُم قد امتحشُوا ، فَيُصَبّ عليهم ماءٌ يُقالُ له ماء الحياة، فيَنْبُتُون نَبَاتَ الحبَّة في حميل السَّيْل . (الجامع الصّحيح المختصر - الجزء 5 - ص 2403 - رقم الحديث 6204) .

وروى الإمام أحمد في مُسْنَده عن أَنَس (بن مالك) رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ... وفرغَ اللهُ من حِسَاب النَّاس ، وأدخلَ مَن بَقِيَ من أُمَّتي النَّارَ مع أهل النَّار ، فيقولُ أهلُ النَّار : ما أغْنَى عنكُم أنَّكُم كنتُم تعبدُون الله عزَّ وجلَّ لا تُشْرِكُون به شيئًا ! فيقولُ الجبَّارُ عزَّ وجلَّ : فَبِعِزَّتي لأُعْتِقَنَّهُم من النَّار ! فَيُرسِلُ إليهم ، فَيُخْرَجُون وقد امتُحِشُوا ، فَيُدْخَلُون في نَهْر الحياة ، فَيَنْبُتُون فيه كما تَنْبَتُ الحبَّةُ في غُثَاء السَّيْل ، ويُكْتَبُ بين أعْيُنِهم : هؤلاء عُتَقَاءُ الله عزَّ وجلَّ . فَيُذْهَبُ بهم ، فَيَدْخُلُون الجنَّة ، فيقُولُ لهم أهلُ الجنَّة : هؤلاء الجهَنَّمِيُّون ! فَيَقُولُ الجبَّار : بل هؤلاء عُتَقاءُ الجبَّار عَزَّ وجلَّ . (مأخوذ من حديث طويل - مسند الإمام أحمد بن حنبل - الجزء 3 - ص 144 - رقم الحديث 12491) .

ومِن رحمَة الله تعالى بعباده أنَّه يأذَنُ يومَ القيامة للملائكة والأنبياء والشُّهداء ، أن يَشْفَعُوا في مَن أرادُوا من المؤمنين ، فَيُخْرِجُوهم من النَّار .

فقد روى الإمام أحمد في مُسْنَده عن أبي بكْرة رضي الله عنه ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : يُحْمَلُ النَّاسُ على الصّراط يومَ القيامة ، فَتَقادَعُ بهم جَنْبَةُ الصّراط تَقادُعَ الفراش في النَّار ، فَيُنَجّي الله تباركَ وتعالى بِرَحْمَته مَن يَشاء . ثمَّ يُؤذَنُ للملائكة والنَّبيّينَ والشُّهَداء أن يَشْفَعُوا ، فيشفعُون ويُخرِجُون ، ويشفعُون ويُخرِجُون ، ويشفعُون ويُخرِجُون ، ويشفعُون ويُخرِجُون مَن كان في قَلْبِه ما يَزِنُ ذَرَّةً مِن إيمان . (مسند الإمام أحمد بن حنبل - الجزء 5 - ص 43 - رقم الحديث 20457) .

كلُّ مَن تَبع نبيَّ زمانه إذًا ومات على دين الله ، فإمَّا أن يدخُل الجنَّة دون أن يُعذَّب في النَّار ، وإمَّا أن يسقُط مِن على الصّراط في جهنَّم ، بِسَبب المعاصي التي لَم يَتُب منها في الدُّنيا ، والمظالِم التي اقترفها في حقّ العباد ، ثمَّ يَخْرُج من النَّار برحْمة الله وفضْلِه وشفاعة الملائكة والنَّبيّين والشُّهداء . ولا يُخَلَّدُ في النَّار أبدًا مَن آمن بنَبيّ زمانه ومات مُوَحّدًا لِلَّه .

بَقي أن نَذكُر أنَّ النّبيّ محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم اختصَّه الله يَومَ القيامة بالشَّفاعة العظمَى . وقد وردَ فيها حديثٌ طويلٌ رواه البخاري ومسلم والتّرمذي وغيرهم ، سوف لن نذكُره هنا . ولكن نَذكُر ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنَّه قال : إنَّ النَّاس يَصيرون يومَ القيامة جُثًا (أي جماعات) ، كلُّ أمَّةٍ تَتبعُ نَبيَّها ، يقولون : يا فُلان اشْفَعْ ، يا فُلان اشْفَعْ ، حتَّى تَنتهي الشَّفاعةُ إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فذلكَ يومَ يبعثُهُ اللهُ المقامَ المحمود . (الجامع الصّحيح المختصر - الجزء 4 - ص 1748 - رقم الحديث 4441) .

وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : أنا سَيّدُ وَلَدِ آدَمَ يومَ القيامة ، وأوَّلُ مَن يَنشَقُّ عَنْهُ القَبْر ، وأوَّلُ شافِع ، وأوَّلُ مشَفَّع . (صحيح مسلم - الجزء 4 - ص 1782 - رقم الحديث 2278) .

من المهمّ أيضًا أن نَذكر أنَّ المؤمنين الذين يَجتازُون الصّراط سَيُحبَسُون على قَنطرة يَتقاصُّون عليها مظالِمَ كانتْ بينهم في الدُّنيا ، ثمّ يَدخلون الجنَّة . فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : يَخْلصُ المؤمنونَ من النَّار ، فَيُحبَسُون على قَنْطرة بين الجنَّة والنَّار ، فَيُقْتَصّ لِبَعضِهم من بَعض مَظالِمَ كانتْ بينهم في الدُّنيا ، حتّى إذا هُذّبُوا ونُقُّوا أُذِنَ لهم في دخول الجنَّة . فَوَالذي نَفسُ محمَّد بِيَده ، لَأَحَدُهم أهدَى بِمَنْزله في الجنَّة منه بِمَنْزله كان في الدُّنيا (أي أنَّ كلَّ مؤمن عندما يدخُلُ الجنَّة يذهبُ مباشرة إلى منزله فيها ، لا يُخْطِئُه) ! (الجامع الصّحيح المختصر - الجزء 5 - ص 2394 - رقم الحديث 6

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق